(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (٦٢)
____________________________________
نظم الكلام عليه فبعد ما نزلت تلك الحالة منزلة الواقع بالفعل لما اقتضاه المقام من النكتة البارعة والحكمة الرائعة حسبما مر بيانه وأسقط كونها مترقبة عن درجة الاعتبار بالكلية يكون التصدى لإضمار شىء يتعلق به إخراجا للنظم الكريم عن الجزالة بالمرة (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) من جملة ما يقال لهم بطريق التقريع والإلزام والتبكيت بين الأمر بالامتياز وبين الأمر بدخول جهنم بقوله تعالى (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) الخ والعهد الوصية والتقدم بأمر فيه خير ومنفعة والمراد ههنا ما كلفهم الله تعالى على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام من الأوامر والنواهى التى من جملتها قوله تعالى (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) الآية وقوله تعالى (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) وغيرهما من الآيات الكريمة الواردة فى هذا المعنى وقيل هو الميثاق المأخوذ عليهم حين أخرجوا من ظهور بنى آدم وأشهدوا على أنفسهم وقيل هو ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادته تعالى الزاجرة عن عبادة غيره والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها فى مقابلة عبادته عزوجل وقرىء إعهد بكسر الهمزة وأعهد بكسر الهاء وأحهد الحاء مكان العين وأحد بالإدغام وهى لغة بنى تميم (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أى ظاهر العداوة وهو تعليل لوجوب الانتهاء عن المنهى عنه وقيل تعليل للنهى (وَأَنِ اعْبُدُونِي) عطف على أن لا تعبدوا على أن أن فيهما مفسرة للعهد الذى فيه معنى القول بالنهى والأمر أو مصدرية حذف عنها الجار أى ألم أعهد إليكم فى ترك عبادة الشيطان وفى عبادتى وتقديم النهى على الأمر لما أن حق التخلية التقدم على التحلية كما فى كلمة التوحيد وليتصل به قوله تعالى (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) فإنه إشارة إلى عبادته تعالى التى هى عبارة عن التوحيد والإسلام وهو المشار إليه بقوله تعالى (هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) والمقصود بقوله تعالى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) والتنكير للتفخيم واللام فى قوله تعالى (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) جواب قسم محذوف والجملة استئناف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع ببيان أن جناياتهم ليست بنقض العهد فقط بل به وبعدم الاتعاظ بما شاهدوا من العقوبات النازلة على الأمم الخالية بسبب طاعتهم للشيطان فالخطاب لمتأخريهم الذين من جملتهم كفار مكة خصوا بزيادة التوبيخ والتقريع لتضاعف جناياتهم والجبل بكسر الجيم والباء وتشديد اللام الخلق وقرىء بضمتين وتشديد وبضمتين وتخفيف وبضمة وسكون وبكسرتين وتخفيف وبكسرة وسكون والكل لغات وقرىء جبلا جمع جبلة كفطر وخلق فى فطرة وخلقة وقرىء جيلا بالياء وهو الصنف من الناس أى وبالله لقد أضل منكم خلقا كثيرا أو صنفا