(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٥٤)
____________________________________
* من التوراة والقرآن وسميتموهما سحرين فإنه نص فيما ذكر وقوله تعالى (أَتَّبِعْهُ) جواب للأمر أى إن تأتوا به أتبعه ومثل هذا الشرط مما يأتى به من يدل بوضوح حجته وسنوح محجته لأن الإتيان بما هو* أهدى من الكتابين أمر بين الاستحالة فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإفحام (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى فى أنهما سحران مختلفان وفى إيراد كلمة إن مع امتناع صدقهم نوع تهكم بهم (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أى فإن لم يفعلوا ما كلفتهم من الإتيان بكتاب أهدى منهما كقوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) وإنما عبر عنه بالاستجابة إيذانا بأنه صلىاللهعليهوسلم على كمال أمن من أمره كأن أمره صلىاللهعليهوسلم لهم بالإتيان بما ذكر دعاء لهم إلى أمر يريد وقوعه والاستجابة تتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعى باللام فيحذف الدعاء عند ذلك غالبا ولا يكاد يقال استجاب الله له دعاءه (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) الزائغة من غير أن يكون لهم متمسك ما أصلا إذ لو كان لهم ذلك لأتوا به (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ) استفهام إنكارى للنفى أى لا أضل ممن اتبع هواه (بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) أى هو أضل من كل ضال وإن كان ظاهر السبك لنفى الأصل لا لنفى المساوى كما مر فى نظائره مرارا وتقييد اتباع الهوى بعدم الهدى من الله تعالى لزيادة التقريع والإشباع فى التشنيع والتضليل وإلا فمقارنته لهدايته تعالى بينة الاستحالة (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك فى اتباع الهوى والإعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ) وقرىء بالتخفيف أى أنزلنا القرآن عليهم متواصلا بعضه إثر بعض حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة أو متتابعا وعدا ووعيدا قصصا وعبرا ومواعظ ونصائح (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فيؤمنون بما فيه (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ) أى من قبل إيتاء القرآن (هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) وهم مؤمنو أهل الكتاب وقيل أربعون من أهل الإنجيل اثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشأم (وَإِذا يُتْلى) أى القرآن عليهم (قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا) أى الحق الذى كما نعرف حقيته وهو استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم وقوله تعالى (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ) أى من قبل نزوله (مُسْلِمِينَ) بيان لكون إيمانهم به أمرا متقادم العهد لما شاهدوا ذكره فى الكتب المتقدمة وأنهم على دين الإسلام قبل نزول القرآن (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من النعوت