(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) (٢٢)
____________________________________
بهذا الذنب ولكن بأنى قتلت أبا هذا غيلة فقال الناس إن أذنب أحد ذنبا أظهره الله تعالى عليه فقتله فهابوه وعظمت هيبته فى القلوب (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) النبوة وكمال العلم وإتقان العمل وقيل الزبور وعلم الشرائع وقيل كل كلام وافق الحق فهو حكمة (وَفَصْلَ الْخِطابِ) أى فصل الخصام بتمييز الحق عن الباطل أو الكلام الملخص الذى ينبه المخاطب على المرام من غير التباس لما قد روعى فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف والإظهار والإضمار والحذف والتكرار وإنما سمى به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق تمهيدا له كالحمد والصلاة وقيل هو الخطاب الفصل الذى ليس فيه إيجاز مخل ولا اطناب ممل كما جاء فى نعت كلام النبوة فصل لا نزر ولا هذر (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) استفهام معناه التعجيب والتشويق إلى استماع ما فى حيزه لإيذانه بأنه من الأنباء البديعة التى حقها أن تشيع فيما بين كل حاضر وباد والخصم فى الأصل مصدر ولذلك يطلق على الواحد وما فوقه كالضيف ومعنى خصمان فريقان (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) إذ تصعدوا سوره ونزلوا إليه والسور الحائط المرتفع ونظيره تسنمه إذا علا سنامه وتذراه إذا علا ذروته وإذ متعلقة بمحذوف أى نبأتحاكم الخصم إذ تسوروا أو بالنبأ على أن المراد به الواقع فى عهد داود عليهالسلام وأن إسناده الإتيان إليه على حذف مضاف أى قصة نبأ الخصم أو بالخصم لما فيه من معنى الخصومة لا بأتى لأن إتيانه الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يكن حينئذ وقوله تعالى (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ) بدل مما قبله أو ظرف لتسوروا (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) روى أنه تعالى بعث إليه ملكين فى صورة إنسانين قيل هما جبريل وميكائيل عليهماالسلام فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه فى يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسورا عليه المحراب بمن معهما من الملائكة فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق على خلاف العادة والحرس حوله فى غير يوم الحكومة والقضاء قال ابن عباس رضى الله عنهما إن داود عليهالسلام جزأ زمانه أربعة أجزاء يوما للعبادة ويوما للقضاء ويوما للاشتغال بخاصة نفسه ويوما للوعظ والتذكير (قالُوا) استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية فزعه عليه الصلاة والسلام كأنه قيل فماذا قالت الملائكة عند مشاهدتهم لفزعه فقيل قالوا ازالة لفزعه (لا تَخَفْ خَصْمانِ) أى نحن فوجان متخاصمان على تسمية مصاحب الخصم خصما (بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) هو على الفرض وقصد التعرض فلا كذب فيه (فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) أى لا تجر فى الحكومة وقرىء ولا تشطط أى لا تبعد عن الحق وقرىء ولا تشاطط وكلها من معنى الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) إلى وسط طريق الحق بزجر الباغى عما سلكه من طريق الجور وإرشاده إلى منهاج العدل.