(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (٨)
____________________________________
* من الوجوه والجملة خبر آخر وكذا قوله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) والفاء فى قوله تعالى (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) لترتيب ما بعدها على ما ذكر من شئونه تعالى أى فكيف تصرفون عن عبادته تعالى مع وفور موجباتها ودواعيها وانتفاء الصارف عنها بالكلية إلى عبادة غيره من غير داع إليها مع كثرة الصوارف عنها (إِنْ تَكْفُرُوا) به تعالى بعد مشاهدة ما ذكر من فنون نعمائه ومعرفة شئونه العظيمة الموجبة للإيمان والشكر* (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) أى فاعلموا أنه تعالى غنى عن إيمانكم وشكركم غير متأثر من انتفائهما (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) أى عدم رضاه بكفر عباده لأجل منفعتهم ودفع مضرتهم رحمة عليهم لا لتضرره تعالى به (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) أى يرض الشكر لأجلكم ومنفعتكم لأنه سبب لفوزكم بسعادة الدارين لا لانتفاعه* تعالى به وإنما قيل لعباده لا لكم لتعميم الحكم وتعليله بكونهم عباده تعالى وقرىء بإسكان الهاء (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) بيان لعدم سراية كفر الكافر إلى غيره أصلا أى لا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس أخرى (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) بالبعث بعد الموت (فَيُنَبِّئُكُمْ) عند ذلك (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ) أى كنتم تعملونه فى الدنيا من أعمال الكفر والإيمان أى يجازيكم بذلك ثوابا وعقابا (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أى بمضمرات ٨ القلوب فكيف بالأعمال الظاهرة وهو تعليل للتننبئة (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) من مرض وغيره (دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) راجعا إليه مما كان يدعوه فى حالة الرخاء لعلمه بأنه بمعزل من القدرة على كشف ضره وهذا وصف للجنس بحال بعض أفراده كقوله تعالى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ) أى أعطاه نعمة عظيمة من جنابه تعالى من التخول وهو التعهد أى جعله خائل مال من قولهم فلان خائل مال إذا كان متعهدا له حسن القيام به أو من الخول وهو الافتخار أى جعله يخول أى يختال ويفتخر (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ) أى نسى الضر الذى كان يدعو الله تعالى فيما سبق إلى كشفه (مِنْ قَبْلُ) أى من قبل التخويل أو نسى ربه الذى كان يدعوه ويتضرع إليه إما بناء على أن ما بمعنى من كما فى قوله تعالى (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) وقوله تعالى (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وإما إيذانا بأن نسيانه بلغ إلى حيث لا يعرف مدعوه ما هو فضلا عن أن يعرفه من هو كما مر فى قوله تعالى (عَمَّا أَرْضَعَتْ (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) شركاء فى العبادة (لِيُضِلَّ) الناس بذلك (عَنْ سَبِيلِهِ) الذى هو التوحيد وقرىء ليضل بفتح الياء أى يزداد ضلالا أو يثبت عليه وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور واللام لام العاقبة كما فى قوله تعالى