(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٥)
____________________________________
تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) فإنه إلى آخره مسوق لبيان حال كل من طرفى الاختصام الجارى فى شأن الكفر والإيمان لا غير أى أظلم من كل ظالم من افترى على الله سبحانه وتعالى بأن أضاف إليه الشريك والولد (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) أى بالأمر الذى هو عين الحق ونفس الصدق وهو ما جاء به النبى صلىاللهعليهوسلم* (إِذْ جاءَهُ) أى فى أول مجيئه من غير تدبر فيه ولا تأمل (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) أى لهؤلاء الذين افتروا على الله سبحانه وسارعوا إلى التكذيب بالصدق من أول الأمر والجمع باعتبار معنى من كما أن الإفراد فى الضمائر السابقة باعتبار لفظها أو لجنس الكفرة وهم داخلون فى الحكم دخولا أوليا (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) الموصول عبارة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن تبعه كما أن المراد فى قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) هو عليه الصلاة والسلام وقومه وقيل عن الجنس المتناول المرسل والمؤمنين بهم ويؤيده قراءة ابن مسعود رضى الله عنه والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به وقيل* هو صفة لموصوف محذوف هو الفوج أو الفريق (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من المجىء بالصدق والتصديق به (هُمُ الْمُتَّقُونَ) المنعوتون بالتقوى التى هى أجل الرغائب وقرىء وصدق به بالتخفيف أى صدق به الناس فأداه إليهم كما نزل عليه من غير تغيير وقيل وصار صادقا به أى بسببه لأن ما جاء به من القرآن معجزة دالة على صدقه صلىاللهعليهوسلم وقرىء صدق به على البناء للمفعول (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) بيان لما لهم فى الآخرة من حسن المآب بعد بيان ما لهم فى الدنيا من محاسن الأعمال أى لهم كل ما يشاءون من جلب المنافع ودفع المضار فى الآخرة لا فى الجنة فقط لما أن بعض ما يشاءونه من تكفير السيئات والأمن من الفزع الأكبر وسائر أهوال القيامة إنما يقع قبل دخول الجنة (ذلِكَ) الذى ذكر من حصول كل ما يشاءونه (جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) أى الذين أحسنوا أعمالهم وقد مر تفسير الإحسان غير مرة وقوله تعالى (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) الخ متعلق بقوله تعالى (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) لكن لا باعتبار منطوقه ضرورة أن التفكير المذكور لا يتصور كونه غاية لثبوت ما يشاءون لهم فى الآخرة كيف لا وهو بعض ما سيثبت لهم فيها بل باعتبار فحواه فإنه حيث لم يكن إخبارا بما ثبت لهم فيما مضى بل بما سيثبت لهم فيما سيأتى كان فى معنى الوعد به كما مر فى قوله تعالى (وَعْدَ اللهِ) فإنه مصدر مؤكد لما قبله من قوله تعالى (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) فإنه فى معنى وعدهم الله غرفا فانتصب به وعد الله كأنه قيل