(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (٢٨)
____________________________________
بينكم أو مودودة أو نفس المودة وقرىء مودة منونة منصوبة ناصبة الظرف وقرئت بالرفع والإضافة على أنها خبر مبتدأ محذوف أى هى مودودة أو نفس المودة أو سبب مودة بينكم والجملة صفة أوثانا أو خبر إن على أن ما مصدرية أو موصولة قد حذف عائدها وهو المفعول الأول وقرئت مرفوعة منونة ومضافة بفتح بينكم كما قرىء لقد تقطع بينكم على أحد الوجهين وقرىء إنما مودة بينكم والمعنى أن اتخاذكم إياها مودة بينكم ليس إلا فى الحياة وقد أجريتم أحكامه حيث فعلتم بى ما فعلتم لأجل مودتكم لها انتصارا منى كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) تنقلب الأمور ويتبدل التواد تباغضا والتلاطف تلاعنا حيث (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ) وهم* العبدة (بِبَعْضٍ) وهم الأوثان (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أى يلعن كل فريق منكم ومن الأوثان حيث ينطقها الله تعالى الفريق الآخر (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) أى هى منزلكم الذى تأوون إليه ولا ترجعون منه أبدا (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يخلصونكم منها كما خلصنى ربى من النار التى ألقيتمونى فيها وجمع الناصر لوقوعه فى مقابلة الجمع أى ما لأحد منكم من ناصر أصلا (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أى صدقه فى جميع مقالاته لا فى نبوته وما دعا إليه من التوحيد فقط فإنه كان منزها عن الكفر وما قيل إنه آمن له حين رأى النار لم تحرقه ينبغى أن يحمل على ما ذكرنا أو على أن يراد بالإيمان الرتبة العالية منها وهى التى لا يرتقى إليها إلا همم الأفراد الكمل ولوط هو ابن أخيه عليهماالسلام (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ) أى من قومى (إِلى رَبِّي) إلى حيث أمرنى ربى (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمره فيمنعنى من أعدائى (الْحَكِيمُ) الذى لا يفعل فعلا إلا وفيه حكمة ومصلحة فلا* يأمرنى إلا بما فيه صلاحى روى أنه هاجر من كوثى سواد الكوفة مع لوط وسارة ابنه عمه إلى حران ثم منها إلى الشأم فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ولدا ونافلة حين أيس من عجوز عافر (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ) فكثر منهم الأنبياء (وَالْكِتابَ) أى جنس الكتاب المتناول للكتب الأربعة (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ) بمقابلة هجرته إلينا (فِي الدُّنْيا) بإعطاء الولد والذرية الطيبة واستمرار النبوة فيهم وانتماء أهل الملل إليه والثناء والصلاة عليه إلى آخر الدهر (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أى الكاملين فى الصلاح (وَلُوطاً) منصوب إما بالعطف على نوحا أو على إبراهيم والكلام فى قوله تعالى (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) كالذى مر فى قصة إبراهيم عليهالسلام (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أى الفعلة المتناهية فى القبح وقرىء أئنكم (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) استئناف مقرر لكمال قبحها فإن إجماع جميع افراد العالمين على التحاشى عنها ليس إلا لكونها مما تشمئز منه الطباع وتنفر منه النفوس.