(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) (٢٤)
____________________________________
لأجلكم فإن جميع ما فى السموات والأرض من الكائنات مسخر لله تعالى مستتبعة لمنافع الخلق وما يستعمله الإنسان حسبما يشاء وإن كان مسخرا له بحسب الظاهر فهو فى الحقيقة مسخر لله تعالى* (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) محسوسة ومعقولة معروفة لكم وغير معروفة وقد مر شرح النعمة وتفصيلها فى الفاتحة وقرىء أصيغ بالصاد وهو جار فى كل سين قارنت الغين أو الخاء أو القاف كما تقول فى سلخ صلخ وفى سقر صقر وفى سالغ صالغ وقرىء نعمة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) فى توحيده وصفاته (بِغَيْرِ عِلْمٍ) مستفاد من دليل (وَلا هُدىً) من جهة الرسول صلىاللهعليهوسلم (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أنزله الله سبحانه بل بمجرد التقليد (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أى لمن يجادل والجمع باعتبار المعنى (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) يريدون به عبادة الأصنام (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ) أى آباءهم لا أنفسهم كما قيل فإن مدار إنكار الاتباع واستبعاده كون المتبوعين تابعين للشيطان لا كون* أنفسهم كذلك أى أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم فيما هم عليه من الشرك (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) فهم متوجهون إليه حسب دعوته والجملة فى حيز النصب على الحالية وقد مر تحقيقه فى قوله تعالى (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) من سورة البقرة بما لا مزيد عليه (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) بأن فوض إليه مجامع أموره وأقبل عليه بكليته وحيث عدى باللام قصد معنى الاختصاص وقرىء بالتشديد* (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أى فى أعماله آت بها جامعة بين الحسن الذاتى والوصفى وقد مر فى آخر سورة النحل (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أى تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب وهو تمثيل لحال المتوكل المشتغل بالطاعة بحال من أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلى منه (وَإِلَى اللهِ) لا إلى أحد غيره (عاقِبَةُ الْأُمُورِ) فيجازيه أحسن الجزاء (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) فإنه لا يضرك فى الدنيا ولا فى الآخرة وقرىء فلا يحزنك من أحزن المنقول من حزن بكسر الزاى وليس بمستفيض (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) لا إلى غيرنا (فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) فى الدنيا من الكفر والمعاصى بالعذاب والعقاب والجمع فى الضمائر الثلاثة باعتبار معنى من كما أن الإفراد فى الأول باعتبار لفظها (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تعليل للتنبئة المعبر بها عن التعذيب (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) تمتيعا أو زمانا قليلا فإن ما يزول وإن كان بعد أمد