(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (١٢)
____________________________________
النفى كما ينبىء عنه ما بعده أى شكرا قليلا أو زمانا قليلا تشكرون وفى حكاية أحوال الإنسان من مبدأ فطرته إلى نفخ الروح فيه بطريق الغيبة وحكاية أحواله بعد ذلك بطريق الخطاب المنبىء عن استعداده للفهم وصلاحيته له من الجزالة مالا غاية وراءه (وَقالُوا) كلام مستأنف مسوق لبيان أباطيلهم بطريق الالتفات إيذانا بأن ما ذكر من عدم شكرهم بتلك النعم موجب للإعراض عنهم وتعديد جناياتهم لغيرهم* بطريق المباثة (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أى صرنا ترابا مخلوطا بترابها بحيث لا نتميز منه أو غبنا فيها بالدفن وقرىء ضللنا بكسر اللام من باب علم وصللنا بالصاد المهملة من صل اللحم إذا أنتن وقيل من الصلة وهى الأرض أى صرنا من جنس الصلة قيل القائل أبى بن خلف ولرضاهم بقوله أسند القول إلى الكل والعامل* فى إذا ما يدل عليه قوله تعالى (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو نبعث أو يجدد خلقنا والهمزة لتذكير الإنكار السابق وتأكيده وقرىء إنا على الخبر وأيا ما كان فالمعنى على تأكيد الإنكار لا إنكار التأكيد كما هو* المتبادر من تقدم الهمزة على إن فإنها مؤخرة عنها فى الاعتبار وإنما تقديمها عليها لاقتضائها الصدارة (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) إضراب وانتقال من بيان كفرهم بالبعث إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه وهو كفرهم بالوصول إلى العاقبة وما يلقونه فيها من الأحوال والأهوال جميعا (قُلْ) بيانا للحق وردا على زعمهم الباطل (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) لا كما تزعمون أن الموت من الأحوال الطبيعية العارضة للحيوان بموجب الجبلة أى يقبض أرواحكم بحيث لا يدع فيكم شيئا أو لا يترك منكم أحدا على أشد ما يكون من الوجوه وأفظعها من ضرب وجوهكم وأدباركم (الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) أى بقبض أرواحكم وإحصاء آجالكم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) بالبعث للحساب والجزاء (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) وهم القائلون أئذا ضللنا فى الأرض الآية أو جنس المجرمين وهم من جملتهم (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) من الحياء والخزى عند ظهور قبائحهم التى اقترفوها فى الدنيا (رَبَّنا) أى يقولون ربنا (أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) أى صرنا ممن يبصر ويسمع وحصل لنا الاستعداد لإدراك الآيات المبصرة والآيات المسموعة وكنا من قبل عميا وصما لا ندرك* شيئا (فَارْجِعْنا) إلى الدنيا (نَعْمَلْ) عملا (صالِحاً) حسبما تقتضيه تلك الآيات وقوله تعالى (إِنَّا مُوقِنُونَ) ادعاء منهم لصحة الأفئدة والاقتدار على فهم معانى الآيات والعمل بموجبها كما أن ما قبله ادعاء لصحة مشعرى البصر والسمع كأنهم قالوا وأيقنا وكنا من قبل لا نعقل شيئا أصلا وإنما عدلوا إلى الجملة الاسمية المؤكدة إظهارا لثباتهم على الإيقان وكمال رغبتهم فيه وكل ذلك للجد فى الاستدعاء طمعا فى الإجابة إلى ما سألوه