النسبة الارسالية كما سنحققه وان استفادة تلك المعاني في الموارد المزبورة انما هي من جهة القرائن الخارجية المقتضية لها لا من جهة ان الصيغة قد استعملت فيها ، كما هو واضح. ولقد أجاد في الكفاية وجاء بما فوق المراد في تحقيق وحدة المعنى وتفرده بلا مدخلية لتلك المعاني فيما يستعمل فيه اللفظ ، فان تلك على ما أفاده هو قدسسره من الدواعي من حيث كون الداعي على الاستعمال تارة هو التهديد وأخرى الانذار وثالثة التمني ورابعة التعجيز وخامسة غير ذلك ، ومن البداهة ان ذلك غير الاستعمال فيها ولو مجازا ، كما هو واضح.
نعم انما الكلام حينئذ في كيفية دلالتها على الطلب وانها هل هي موضوعة للطلب أي الانشائي الايقاعي منه كما عليه الكفاية؟ أو انها موضوعة للنسبة الارسالية الايقاعية وان دلالتها على الطلب انما هي من جهة الملازمة؟ كما سنبينها إن شاء الله.
ولكن الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني ، ووجهه يظهر مما تقدم في مبحث المشتق من انحلال الوضع في المشتقات بأسرها من المصادر والافعال وأسماء الفاعلين والمفعولين ونحوها إلى وضعين : وضع المادة ووضع الهيئة ، إذ عليه نقول : بان صيغة اضرب مثلا لما كانت مشتملة على مادة وهيئة خاصة فمادتها تدل حسب الوضع النوعي على نفس الحدث واما هيئتها الخاصة فهي أيضا لاتدل الا على النسبة الارسالية والمحركية بين المبدء والفاعل ، لكن لا مفهوم هذه النسبة لأنه معنى اسمي ، بل مصداقه وصورة ذلك الربط الخاص الحاصل من تحريك المأمور نحو العمل على طبق الارسال الخارجي ، وحينئذ فلايكون المستعمل فيه في الصيغة الا النسبة الارسالية لا مفهوم الطلب كما عليه الكفاية قدسسره وعليه فلابد وأن يكون دلالتها على الطلب من جهة الملازمة خاصة الناشي هذا التلازم من جهة كون المتكلم في مقام الجد بالارسال ، إذ حينئذ ينتقل الذهن من تلك النسبة الارسالية إلى مفهوم الطلب بانتقال تصوري ، ففي الحقيقة منشأ هذا التلازم انما هو التلازم الخارجي بين منشئيهما وهما البعث والارسال الخارجي والإرادة الخارجية وعدم انفكاك أحد الامرين عن الآخر ، وحينئذ فحيث ان اللفظ كان وجها للمفهوم وكان المفهوم وجها لمنشأه وكان بين المنشأين وهما البعث والارسال الخارجي والإرادة الحقيقية ملازمة في مرحلة الخارج فينتقل الذهن عند تصور أحد المفهومين من جهة كونه وجها لمنشئه إلى مفهوم الآخر كذلك ( يعني من حيث كونه أيضا وجها لمنشئه ) بانتقال