الأُمّة وجوه النصح ، وهم ـ من استئثارهم بحقّهم ـ علىٰ أمرّ من العلقم ، ويتوخّون لهم مناهج الرشد ، وهم ـ من تبوّئهم عرشهم ـ علىٰ آلم للقلب من حزِّ الشِفار (١) ، تنفيذاً للعهد ، وعملاً بمقتضىٰ العقد ، وقياماً بالواجب شرعاً وعقلاً ، من تقديم الأهمّ ـ في مقام التعارض ـ علىٰ المهمّ .
ولذا محض أمير المؤمنين كلّاً من الخلفاء الثلاثة نصحَه ، وٱجتهد لهم في المشورة .
فإنّه بعد أن يئس من حقّه في الخلافة شقّ بنفسه طريق الموادعة ، وآثر مسالمة القائمين بالأمر .
فكان يرىٰ عرشه ـ المعهود به إليه ـ في قبضتهم ، فلم يحاربهم عليه ، ولم يدافعهم عنه ، احتفاظاً بالأُمّة ، وٱحتياطاً علىٰ الملّة ، وضنّاً بالدين ، وإيثاراً للآجلة علىٰ العاجلة ، وقد مُني بما لم يُمْنَ به أحد ، حيث وقف بين خطبين فادحين :
الخلافة بنصوصها وعهودها إلىٰ جانب ، تستصرخه وتستفزّه إليها بصوت يدمي الفؤاد ، وشكوىً تفتّت الأكباد . .
والفتن الطاغية إلىٰ جانب آخر ، تُنذره بانتقاض الجزيرة وٱنقلاب العرب وٱجتياح الإسلام . .
وتُهدّده بالمنافقين من أهل المدينة وقد مردوا علىٰ النفاق ، وبمن حولهم من الأعراب ، وهم منافقون بنصّ الكتاب ، بل هم أشدّ كفراً ونفاقاً ،
__________________
(١) الشِّفارُ والشَّفْرُ ، جمع : الشَّفْرَةُ : وهي السكّين العريضة العظيمة . . وشَفَرات السيوف : حُروف حَدّها .
ٱنظر : لسان العرب ٧ / ١٥٠ مادّة « شفر » .