فلم يبايع حتّىٰ أخرجوه كرهاً (١) ، احتفاظاً بحقّه ، وٱحتجاجاً علىٰ المستأثرين به وعلىٰ أوليائهم .
ولو أسرع إلىٰ البيعة ما قامت له حجّة ، ولا سطع لأوليائه برهان ، لكنّه جمع في ما فعل بين حفظ الدين ، والاحتفاظ بحقّه في إمرة المؤمنين ، فدلّ هذا علىٰ أصالة رأيه ، ورجاحة حلمه ، وسعة صدره ، وإيثار المصلحة العامّة بحكمة بالغة .
ومتىٰ سخت نفس امرئ عن هذا الخطب الجليل والأمر العظيم ، ينزل من الله تعالىٰ بغايةِ منازل الدين ، وإنّما كانت غايته ممّا فعل أربح الحالين له ، وأعوَد المقصودين عليه بالثواب والقرب من ربّ الأرباب .
وإنّي والله لأعجب من هذه الأُمّة لا تقدّر هذه التضحية ، ولا تُكْبِر هذا السخاء في سبيل الله !
علىٰ إنّ صممَهم عن نصوص الإمامة ، وعهود الوصية ، وقد شحنت صحاحهم ، وملأت مسانيدهم لأعجب وأغرب ! ! وما أبعدهم عن الصواب إذ يقولون : ما عهد النبيّ إلىٰ أحد ، وما أوصىٰ بشيء ! أفلا يتدبّرون سننهم ؟ ! فإنّها تثبت ما جحدوا ، كما تفصّله ( مراجعتنا ) (٢) .
ومن وقف علىٰ مذهبهم في الإمامة ، ثمّ تتبع حديثهم ، رأىٰ التناقض بينهما بأجلىٰ مظاهره ، ضرورة أنّ مذهبهم في هذه المسألة يعارض حديثهم في خصائص عليٍّ وأهل البيت ، وحديثهم في الخصائص يناقض مذهبهم في هذه المسألة ، فهما لا يتجاريان في حلبة ، ولا يتسايران إلىٰ
__________________
(١) ٱنظر : الإمامة والسياسة ١ / ٢٨ ـ ٣٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٣ ، الكامل في التاريخ ٢ / ١٨٩ .
(٢) المراجعات : ٢٠٣ .