الحقوقية التي ينطلق منها ، وبين ما حصل من ممارسات باسم الجهاد الابتدائي في الفتوحات التي جرت ، ونضع القارئ أمام النقاط التالية كي يتبيّن له حقيقة الحال :
الأُولىٰ : إنّ أغراض هذا التشريع للجهاد الابتدائي كما تدلّ عليه مجموع الآيات القرآنية المتعرّضة للجهاد الابتدائي ـ والتي تقدّمت الإشارة إلىٰ بعضها ـ في الدين الحنيف ، كما في قوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (١) . .
فإنّ هذه الآية تحدّد مَعلماً مهمّاً من معالم الجهاد ، وإنّ الغرض فيه ليس جمع الغنائم والأموال والاسترقاق ، بل قيادة الجموع البشرية وهدايتها إلىٰ طريق الله وعبادته .
وكذا قوله تعالىٰ : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) (٢) .
وهذه ملحمة قرآنية عمّن هو في الصفوف مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو عسل اللسان والكلام ، ولكنّ قلبه مخالف تماماً لِما يظهره علىٰ لسانه ، وهو شديد العداوة لله ولرسوله ، والآية تُخبر أنّه إذا تولّىٰ الأُمور فسوف يكون سعيه في ولايته فساداً في الأرض وإهلاكاً للحرث والنسل البشري ، والحال
__________________
(١) سورة النساء ٤ : ٩٤ .
(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٠٤ ـ ٢٠٦ .