ذلك الموقف.
وكان هذا أمراً واقعاً على قلب الحسين عليه السلام ويستقطب مساحة كبيرة من اهتمامه ، وهو القائدُ لمعركةٍ مصيريّة إلهيّة كانت على عاتقه ، لأنّ الإسلام ـ بكلّه ـ ينتظر نتائجها. فنقرأ في السيرة : لمّا دنا القومُ من الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ؛ خطبَ خطبته الأُولى ـ ذلك اليوم ـ وقال فيها :
«أيّها الناسُ ، اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني ، حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليَّ ، وحتّى أعتذرَ إليكم من مقدمي إليكم ، فإنْ قبلتُم عُذري وصدّقتُم قولي وأعطيتُموني النَصَفَ كُنتُم بذلك أسْعَدَ ، ولم يكن لكم عليَّ سبيلٌ ، وإنْ لم تقبلُوا منّي العُذرَ ، ولم تُعطوا النَصَفَ من أنفسكم : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ) يونس ٨١ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) الأعراف : ١٩٦».
فلمّا سمعنَ أخواتُه كلامه هذا ـ وهو لم يُتمّ بعدُ خطبته ـ صِحْنَ وبكينَ ، وبكتْ بناتُه ، فارتفعت أصواتهنّ! فلمّا بلغهُ بُكاؤهنَّ وأصواتُهنَّ : أرسلَ إليهنّ أخاهُ العَبّاسَ بن عليّ ، وعليّاً ابنه ، وقال لهما : أَسْكِتاهُنَّ ، فلَعَمْري لَيَكْثُرنَّ بُكاؤُهنَّ (١).
إنّه لمن أصعب المواقف وأكثرها حساسيّةً ، أنْ يقع مثل هذا لشخصٍ عظيمٍ مثل الإمام عليه السلام وفي موقفٍ خطيرٍ مثل هذا ، حيثُ هو في خطابٍ
__________________
(١) تاريخ الطبري : (٥ / ٤٢٤).