٥٧ ـ سورة الحديد
(مدنية وهى تسع وعشرون آية)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣)
____________________________________
(سورة الحديد مكية وقيل مدنية وآياتها تسع وعشرون)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) التسبيح تنزيه الله تعالى اعتقادا وقولا وعملا عما لا يليق بجنابه سبحانه من سبح فى الأرض والماء إذا ذهب وأبعد فيهما وحيث أسند ههنا إلى غير العقلاء أيضا فإن ما فى السموات والأرض يعم جميع ما فيهما سواء كان مستقرا فيهما أو جزءا منهما كما مر فى آية الكرسى أريد به معنى عام مجازى شامل لما نطق به لسان المقال كتسبيح الملائكة والمؤمنين من الثقلين ولسان الحال كتسبيح غيرهم فإن كل فرد من أفراد الموجودات يدل بإمكانه وحدوثه على الصانع القديم الواجب الوجود المتصف بالكمال المنزه عن النقصان وهو المراد بقوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) وهو متعد بنفسه كما فى قوله تعالى (وَسَبِّحُوهُ) واللام إما مزيدة للتأكيد كما فى نصحت له وشكرت له أو للتعليل أى فعل التسبيح لأجل الله تعالى وخالصا لوجهه ومجيئه فى بعض الفواتح ماضيا وفى البعض مضارعا للإيذان بتحققه فى جميع الأوقات وفيه تنبيه على أن حق من شأنه التسبيح الاختيارى أن يسبحه تعالى فى جميع أوقاته كما عليه الملأ الأعلى حيث يسبحون الليل والنهار لا يفترون (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر الغالب الذى لا يمانعه ولا ينازعه شىء (الْحَكِيمُ) الذى لا يفعل إلا* ما تقتضيه الحكمة والمصلحة والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله مشعر بعلة الحكم وكذا قوله تعالى (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى التصرف الكلى فيهما وفيما فيهما من الموجودات من حيث الإيجاد والإعدام وسائر التصرفات مما نعلمه وما لا نعلمه وقوله تعالى (يُحْيِي وَيُمِيتُ) استئناف مبين* لبعض أحكام الملك والتصرف وجعله حالا من ضمير له ليس كما ينبغى (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء* التى من جملتها ما ذكر من الإحياء والإماتة (قَدِيرٌ) مبالغ فى القدرة (هُوَ الْأَوَّلُ) السابق على سائر الموجودات لما أنه مبدئها ومبدعها (وَالْآخِرُ) الباقى بعد فنائها حقيقة أو نظر إلى ذاتها مع قطع النظر* عن مبقيها فإن جميع الموجودات الممكنة إذا قطع النظر عن علتها فهى فانية (وَالظَّاهِرُ) وجودا لكثرة*