(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) (٢٣)
____________________________________
من عذابها الأليم وقد ذكر العذاب فقيل (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) لأنه من نتائج الانهماك فيما فصل* من أحوال الحياة الدنيا (وَمَغْفِرَةٌ) عظيمة (مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) عظيم لا يقادر قدره (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أى لمن اطمأن بها ولم يجعلها ذريعة إلى الآخرة عن سعيد بن جبير الدنيا متاع الغرور إن ألهتك عن طلب الآخرة فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله تعالى فنعم المتاع ونعم الوسيلة (سابِقُوا) أى سارعوا مسارعة المسابقين لأقرانهم فى المضمار (إِلى مَغْفِرَةٍ) عظيمة كائنة (مِنْ رَبِّكُمْ) أى إلى موجباتها* من الأعمال الصالحة (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أى كعرضهما جميعا وإذا كان عرضها* كذلك فما ظنك بطولها وقيل المراد بالعرض البسطة وتقديم المغفرة على الجنة لتقدم التخلية على التحلية (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) فيه دليل على أن الجنة مخلوقة بالفعل وأن الإيمان وحده كاف* فى استحقاقها (ذلِكَ) الذى وعد من المغفرة والجنة (فَضْلُ اللهِ) عطاؤه (يُؤْتِيهِ) تفضلا وإحسانا* (مَنْ يَشاءُ) إيتاءه إياه من غير إيجاب (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) ولذلك يؤتى من يشاء مثل ذلك الفضل* الذى لا غاية وراءه (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) كجدب وعاهة فى الزروع والثمار (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) كمرض وآفة (إِلَّا فِي كِتابٍ) أى إلا مكتوبة مثبتة فى علم الله تعالى أو فى اللوح (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) * أى نخلق الأنفس أو المصائب أو الأرض (إِنَّ ذلِكَ) أى إثباتها فى كتاب (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لاستغنائه* فيه عن العدة والمدة (لِكَيْلا تَأْسَوْا) أى أخبرنا كم بذلك لئلا تحزنوا (عَلى ما فاتَكُمْ) من نعم الدنيا (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) أى أعطاكم الله تعالى منها فإن من علم أن الكل مقدر يفوت ما قدر فواته ويأتى* ما قدر إتيانه لا محالة لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آت وقرىء بما آتاكم من الإتيان وفى القراءة الأولى إشعار بأن فوات النعم يلحقها إذا خليت وطباعها وأما حصولها وبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها وقرىء بما أوتيتم والمراد به نفى الأسى المانع عن التسليم لأمر الله تعالى والفرح الموجب للبطر والاختيال ولذلك عقب بقوله تعالى (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) فإن من فرح* بالحظوظ الدنيوية وعظمت فى نفسه اختال وافتخر بها لا محالة وفى تخصيص التذييل بالنهى عن الفرح المذكور إيذان بأنه أقبح من الأسى.