(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٦)
____________________________________
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالبا ويأمر* غيره به أو مبتدأ خبره محذوف يدل عليه قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فإن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غنى عنه وعن إنفاقه محمود فى ذاته لا يضره الإعراض عن شكره بالتقرب إليه بشىء من نعمه وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإنفاق لمصلحة المنفق وقرىء فإن الله الغنى (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا) أى الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم وهو الأظهر (بِالْبَيِّناتِ) * أى الحجج والمعجزات (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) أى جنس الكتاب الشامل للكل (وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أى بالعدل روى أن جبريل عليهالسلام نزل الميزان فدفعه إلى نوح عليهالسلام* وقال مر قومك يزنوا به وقيل أريد به العدل ليقام به السياسة ويدفع به العدوان (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) قيل نزل آدم عليهالسلام من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة وروى ومعه المر والمسحات وعن الحسن وأنزلنا الحديد خلقناه كقوله تعالى (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) وذلك أن أوامره تعالى وقضاياه وأحكامه تنزل من السماء وقوله تعالى (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) لأن* آلات الحرب إنما تتخذ منه (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) إذ ما من صنعة إلا والحديد أو ما يعمل بالحديد آلتها* والجملة حال من الحديد وقوله تعالى (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) عطف على محذوف يدل عليه ما قبله فإنه حال متضمنة للتعليل كأنه قيل ليستعملوه وليعلم الله علما يتعلق به الجزاء من ينصره ورسوله باستعمال السيوف والرماح وسائر الأسلحة فى مجاهدة أعدائه أو متعلق بمحذوف مؤخر والواو اعتراضية أى* وليعلم الله من ينصره ورسله أنزله وقيل عطف على قوله تعالى (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) وقوله تعالى (بِالْغَيْبِ) * حال من فاعل ينصر أو مفعوله أى غائبا عنهم أو غائبين عنه وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) اعتراض تذييلى جىء به تحقيقا للحق وتنبيها على أن تكليفهم الجهاد وتعريضهم للقتال ليس لحاجته فى إعلاء كلمته وإظهار دينه إلى نصرتهم بل إنما هو لينتفعوا به ويصلوا بامتثال الأمر فيه إلى الثواب وإلا فهو غنى بقدرته وعزته عنهم فى كل ما يريده (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) نوع تفصيل لما أجمل فى قوله