(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٧)
____________________________________
تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا) الخ وتكرير القسم لإظهار مزيد الاعتناء بالأمر أى وبالله لقد أرسلناهما (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب وقيل المراد بالكتاب الخط بالقلم (فَمِنْهُمْ) أى من الذرية أو من المرسل إليهم المدلول عليهم بذكر الإرسال والمرسلين (مُهْتَدٍ) إلى الحق* (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن سنن المقابلة للمبالغة فى الذم والإيذان* بغلبة الضلال وكثرتهم (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) أى ثم أرسلنا بعدهم رسلنا (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أى أرسلنا رسولا بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى ابن مريم عليهالسلام والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم أو من عاصرهما من الرسل لا للذرية فإن الرسل المقفى بهم من الذرية (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) * وقرىء بفتح الهمزة فإنه أعجمى لا يلزم فيه مراعاة أبنية العرب (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً) * وقرىء رآفة على فعالة (وَرَحْمَةً) أى وفقناهم للتراحم والتعاطف بينهم ونحوه فى شأن أصحاب النبى عليه* الصلاة والسلام رحماء بينهم (وَرَهْبانِيَّةً) منصوب إما بفعل مضمر يفسره الظاهر أى وابتدعوا رهبانية* (ابْتَدَعُوها) وإما بالعطف على ما قبلها وابتدعوها صفة لها أى وجعلنا فى قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية* مبتدعة من عندهم أى وفقناهم للتراحم بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها وهى المبالغة فى العبادة بالرياضة والانقطاع عن الناس ومعناها الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف فعلان من رهب كخشيان من خشى وقرىء بضم الراء كأنها نسبة إلى الرهبان وهو جمع راهب كراكب وركبان وسبب ابتداعهم إياها أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد رفع عيسى عليهالسلام فقاتلوهم ثلاث مرات فقاتلوا حتى لم يبق منهم إلا قليل فخافوا أن يفتتنوا فى دينهم فاختاروا الرهبانية فى قلل الجبال فارين بدينهم مخلصين أنفسهم للعبادة وقوله تعالى (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) جملة مستأنفة وقيل صفة أخرى لرهبانية والنفى* على الوجه الأول متوجه إلى أصل الفعل وقوله تعالى (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) استثناء منقطع أى* ما فرضناها نحن عليهم رأسا ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فذمهم حينئذ بقوله تعالى (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) من حيث إن النذر عهد مع الله لا يحل نكثه لا سيما إذا قصد به رضاه تعالى وعلى الوجه الثانى متوجه إلى قيده لا إلى نفسه والاستثناء متصل من أعم العلل أى ما كتبناها عليهم بأن وفقناهم لابتداعها لشىء من الأشياء إلا ليبتغوا بها رضوان الله ويستحقوا بها الثواب ومن ضرورة ذلك أن يحافظوا عليها ويراعوها حق رعايتها فما رعاها كلهم بل بعضهم (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) إيمانا صحيحا* وهو الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد رعاية رهبانيتهم لا مجرد رعايتها فإنها بعد البعثة لغو محض