أذواقنا ، وإلا فحسبنا أن نرجع علمها إلى الله والراسخين في العلم ، فتكون مما استأثر الله بحقيقة علمه ، ضاربين صفحا عما يخوض فيه المفسرون من متاهات الاحتمالات التي لا تستند إلى أساس صحيح.
* * *
ذلك الكتاب لا ريب فيه
(ذلِكَ الْكِتابُ) ربما يخطر في الذهن أن من المناسب أن تستبدل بكلمة « ذلك » كلمة « هذا » ، لأن اسم الإشارة عند ما يكون للقريب يعبّر عنه به « هذا » ، أمّا كلمة « ذلك » فهي للبعيد ، والمفروض أن الكتاب قريب إلى قارئيه وسامعيه ؛ ولكنّ اللغة العربية تتّسع للتّنزيل ، فيمكن فيها تنزيل القريب منزلة البعيد لمناسبة تقتضي ذلك لعلوّ مكانة هذا الشيء ، أو بعدها ، وإن كان قريب المكان ، تنزيلا للمكانة البعيدة عن متناول الأفكار في الوصول إليها منزلة بعد المكان.
واستعملت الألف واللام في « الكتاب » للتدليل على النوع ، فذلك الكتاب يعني الكامل ، تماما كما تقول « ذلك الرجل » أو « ذلك البطل » وتريد الكامل في الرجولة أو البطولة ؛ فكأنّ النوع مجسّد فيه ، لاجتماع كل خصائص الكمال المتفرقة في الأفراد في هذا الفرد ؛ فهو يمثّل النوع بكل صفاته وخصائصه. وعلى هذا الأساس ، فالمراد ب (ذلِكَ الْكِتابُ) ، الكامل في هدايته ، الجامع لجميع الخصائص التي تجعل منه قيمة عظيمة هادية للناس في كل مجالات العصر.
(لا رَيْبَ فِيهِ) أي : أنه الكتاب الذي لا يحمل في آياته وفي مفاهيمه أي عنصر من العناصر التي توحي بالرّيب أو تقود إليه ، فلا ينبغي لأحد أن يرتاب فيه إذا دقق في الخصائص الموجودة فيه ، وفي المعاني الأصلية الواضحة التي