نمدّ التجربة إلى أكثر من مجالها ؛ فإن القاعدة الأولى تتكفّل باعتبار الحالات التي لم تقع تحت التجربة ، مماثلة في النتائج لمثيلاتها ممّا وقع تحت التجربة ، وتنطلق القاعدة الثانية لتخضع النتيجة الواحدة للمليون حركة لعلة واحدة ، وهي طبيعة الحركة بعيدا عن الخصائص الذاتية لكل واحدة منها ، لأنه لا يمكن أن تصدر الحرارة الواحدة مثلا عن مليون سبب. وتأتي القاعدة الثالثة لتمنع افتراض الخطأ في موقع افتراض الصواب ، لأنّ ذلك يؤدي إلى اجتماع النقيضين المستحيل.
في ضوء ما تقدم ، نعرف أن المبادئ العقلية هي التي استطاعت أن تربطنا بالأفكار والقوانين العامّة من خلال التجارب المحدودة ؛ ولولاها لما استطاعت التجارب المحسوسة أن تمنح الإنسان الغنى العلمي والفكري ، سواء في القوانين العلمية العامة ، أو في المبادئ العامة للحياة.
وربما نحتاج إلى أن نلفت النظر إلى القاعدة الثالثة ، كنموذج حاسم من نماذج المسلمات العقلية البديهية التي تعتبر مقياسا لمعرفة الحق والباطل في شتى ألوان المعرفة ؛ فإن الوجود والعدم لا يمكن أن يجتمعا في إطار واحد في زمان واحد ومن جهة واحدة ، فهذه الفكرة من الأفكار العقلية القطعية التي لا مجال للشك فيها ، كما لا يمكن لأية معرفة أن تستغني عنها ، لأن أية وسيلة من وسائل المعرفة لا تملك أية قيمة لنتائجها إذا كان احتمال صدق نقيض النتيجة واردا في حساب الواقع ، لأنّ القضية عندها ستواجه إمكانية الصدق والكذب في وقت واحد. فلو لا هذه القاعدة العقلية التي لا تستند إلى أي أساس تجريبي محسوس ، لما أمكن قيام أو إثبات أية معرفة من المعارف.
وخلاصة الحديث ، في ما قدمناه ، أن التجربة ليست هي المقياس الوحيد لمعرفة الحق والباطل لتتجمّد المعرفة عند المحسوس ، بل هناك العقل