وقد جاءت الآية الثانية لتؤكد الفكرة بشكل ملموس ، فقد ختم الله على قلوبهم ، فهي مغلقة النوافذ من جميع الجهات ، وختم الله على أسماعهم حتى سدّت منافذها عن كل كلمة ، وأما أبصارهم فتعلوها الغشاوة التي تحجب عنها الرؤية. وبذلك حكموا على مصيرهم بالعذاب الأليم في الآخرة.
* * *
الآيتان في حركة الواقع المعاصر
ويواجهنا في هذا المجال جانبان لا بد من الحديث عنهما عند استيحاء هاتين الآيتين الكريمتين :
الجانب الأول : ما هي المجالات التي تتحرك فيها الآيتان الكريمتان في حياتنا المعاصرة ، أو بالأحرى كيف يواجه المسلم ، الذي يريد أن يدعو إلى الله ، الفئات الكافرة التي تتحدّاه؟
إننا نعتقد أن واقع الكفر والانحراف اليوم ، لا يختلف عن الواقع بالأمس من حيث طبيعة المناذج العامة لجماعات الكفر ؛ فهناك نموذج يعيش حالة القلق النفسي ، والتطلع الروحي للمعرفة التي تدفعه إلى الموقف الثابت المطمئن في قضية الكفر والإيمان ، لكن الأخطاء الفكرية ، والانحرافات العقيدية ، تحوّل الكفر إلى قناعة ذاتية تحت عنوان « العلم » أو « العقل » ، أو نحو ذلك ، في غفلة عن العناصر الأخرى في فكر الإيمان التي يمكن أن تفتح للعقل آفاقا جديدة تطلّ على معرفة الله ؛ وهؤلاء هم الكافرون الغافلون الذين يطّلعون على مواقع المعرفة من زاوية واحدة.
وهناك نموذج يعيش حالة العناد والمكابرة والإصرار على الانحراف انطلاقا من التركيب الداخلي الذي يحكم وجوده. فهو يواجه الحياة بعقلية