(يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) [البقرة : ٢٦].
ولكن الآيتين تدلان على أن المسألة تنطلق من أن زيغ القلب ناشئ من إرادتهم الانحراف ، من خلال علاقة الانفعال بالفعل ، كما أن الضلال نتيجة للفسق أو مظهر له ، ويبقى السؤال في نسبة الفعل إلى الله على أساس أنه خالق علاقة المسبب بالسبب ، والصورة بالواقع.
ولعلّ هذا هو ما جاء في تفسير الآية عن الإمام الرضا عليهالسلام ، فقد سئل عن معنى قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) قال : الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم كما قال تعالى : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(١) [النساء: ١٥٥] ، فإن الظاهر أن المقصود بالعقوبة ، النتيجة التكوينية للكفر ، باعتبار أنه يغلق القلب عن وحي الحقيقة الإيمانية ، فكأن الله يجعل انغلاق القلب عقوبة له ، والشاهد على ما قلناه هو الاستشهاد بالآية حيث يشير ظاهرها إلى أن الطبع كان بسبب الكفر من خلال تأثيره في عدم الإيمان إلا بدرجة ضعيفة جدا.
* * *
الكفر والعصبية
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) واختاروا الكفر من خلال الغفلة المطبقة على عقولهم ، أو العقدة المتحكمة في ذاتهم ، أو الأهواء المسيطرة على مواقفهم وانتماءاتهم ، وقرّروا الالتزام به ، والوقوف عنده ، بحيث لا يتحولون عنه مهما كانت الظروف والأوضاع والمؤثرات (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
__________________
(١) البحار ، م : ٢ ، ج : ٥ ، ص : ٤٣٥ ، باب : ١ ، روآية : ١٧.