القوانين التي تحكم الأشياء ، من دون أن ينافي ذلك نسبته إلى الإنسان ، باعتباره الأداة المحركة للفعل بشكل مباشر ، من خلال الإرادة المنطلقة من حركة العقل والفكر.
وعلى ضوء هذا نفهم الآيات ؛ فإن هذه العقدة انطلقت في حياة المنافقين على أساس لا يبتعد عن حالة الإرادة والاختيار ، واستمرت معهم بدون علاج ، بل كان الأمر بالعكس ؛ زيادة في ممارسة النفاق ، وإمعانا في تأكيد طبيعته في الداخل والخارج ، مما أوجب تعقيدا في المرض ، واتساعا لدوائره ، تماما كالمريض الذي يهمل مرضه ، فلا يعالجه ، بل يبقى ـ زيادة على ذلك ـ في تعامل مستمر مع أسبابه ، مما يوجب تطوّره إلى الأسوأ ، من خلال السنن الطبيعية التي أودعها الله في الكون ، في مسائل الصحة والمرض ، سواء أكانت جسدية أم روحية.
(وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) فهم يتحملون المسؤولية الكاملة عن هذا الوضع الذي يعيشونه ويمارسون فيه الكذب كلمة ، وموقفا وعملا ، عن عمد وسبق إصرار. ومهما كانت الظاهرة مرضية ، فإنها لا تبرر ما يؤدّونه من أعمال ، لأن المرض اختياري في بداياته ، وقد كانوا قادرين على أن لا يقعوا في نهاياته ، لأنهم يستطيعون أن يتخلصوا منه إذا شاءوا.
* * *
المنافقون والإفساد عن طريق التظاهر بالإصلاح
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) قد توحي هذه الآية الكريمة بأن المنافقين كانوا يقومون ببعض الأعمال ، أو يطرحون بعض الشعارات ، في داخل الحياة الإسلامية ، ممّا كان يسيء إلى خط