ومن الطريف أن نجد في بعض التحليلات النفسية لحركة التحرر في الأزياء التي تعمل على تقصير الثياب إلى أبعد مدى ، أن القضية قضية تحطيم للحواجز النفسية الداخلية للمرأة إزاء حركة الحياة في تفكيرها وسلوكها ، وليست مجرد تقصير للثياب ، فكلما استطعنا تمزيق أي نوع من الحجاب ، أو أي مقدار من الثياب ، استطعنا أن نمزق حاجزا نفسيا ، وحاجبا روحيا للمرأة ، مما يجعل من قضية الانحلال الداخلي قضية ترتبط بقضايا الحرية في العالم ، من دون مراعاة للأسس الروحية والأخلاقية والاجتماعية التي ترتكز عليها ، هذه القيم التي يدعو إليها الدين ويرعاها في مفاهيمه وشريعته. وعلى هذا الأساس ، نقف مع الآية وقفة استيحاء ، فقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ، أي إذا نهوا عن الفساد البيّن ، فهم يحاولون فلسفته وإعطاءه الصفات التي تجعله واجهة من واجهات الإصلاح ، ويمنحون أنفسهم ، من خلال ذلك ، صفة المصلحين الذين يريدون أن يغيّروا القيم التقليدية في العالم.
وتحاول الآية الكريمة أن تعطينا ـ من خلال أسلوبها ـ انطباعا ، بأنهم غير مقتنعين بما يطرحونه ، ولكنهم يريدون تنفيذ مآربهم ، وبهذا لا تمثل القضية موقفا حقيقيا لهم ، لأنهم لا يتعاملون مع المواقف الحقيقة الحاسمة في الحياة ، بل تمثل محاولة للفّ والدوران في سبيل تحطيم الركائز الأساسية للمجتمع ، كسبيل من سبل تحطيم الرسالة الشاملة التي تنطلق من هذه الركائز.
ويأتي القرآن لحسم الموقف على أساس كشف الواقع الفكري لهؤلاء ، وقيمته في حساب الإصلاح ، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) في ما تفرزه أعمالهم وشعاراتهم من آثار سلبية في حياة الأفراد والمجتمعات ، (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) لأنهم لا يعيشون الأجواء النظيفة التي ترتبط بالقيم ، ولذلك ، لا يشعرون بالنتائج السيئة المرتبطة بأعمالهم ، على أساس المقاييس الواقعية