أفكارهم وأفعالهم ، (وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) ، لأنهم لا ينفتحون على الآفاق الرحبة للمعرفة ليصلوا إلى النتائج الحقيقة للأمور ، وليعرفوا أن قيمة العلم في التقائه بالحقيقة تكمن في ارتكاز نتائجه على الفكرة السليمة ، والوجدان السليم ، في نهاية المطاف ، لأن أيّة نتيجة برهانية لا ترجع إلى أساس وجداني ، لا تمثل أيّة قيمة حقيقة في مجال المعرفة. وبهذا كان الإيمان الفطري يمثل العقيدة الصافية المنطلقة من أساس صحيح ثابت ، أكثر من الإيمان الذي لا يلتقي بالفطرة إلا من بعيد ، مما يجعلنا نحترم إيمان الفطريين من حيث ما يمثل الإيمان من صفاء ونقاء ، وإن لم يعرفوا طريق الجدال والنقاش العلمي.
* * *
بين الإفساد والسّفه
قد يواجهنا سؤال في هذه الآية ، وفي الآية السابقة عليها ، وهي قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ).
لماذا قيل هناك : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) فنفى عنهم الشعور بصفة الإفساد ، وقيل هنا : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) ، فنفى عنهم العلم بالسفه ، لماذا لم يستعمل العكس ، أو يوحّد بين الآيتين في طبيعة الكلمة؟ والجواب : لعل الفرق بينهما أن قضية اكتشاف الفساد ليست قضية فكرية ، بل هي من القضايا التي تواجه الإحساس والشعور عند ما تفرض نفسها في الحياة تماما كالألم واللذة في مواجهة مصادر الألم واللذة ، لأن الفساد يمثل اختلال مسيرة الحياة العملية في أوضاعها العامة والخاصة ، فلا يحتاج اكتشافه إلا إلى الوعي الشعوري بالموضوع ، أمّا الذين تبلدت أحاسيسهم ، وغرقوا في أجواء الفساد ، فإنهم لا يشعرون بذلك ، تماما كما هو