وفي ضوء ذلك يمكننا الإطلال على مدلول التأويل ، فلا يكون المقصود به إرادة غير المعنى الظاهر من اللفظ ، بل استيحاء معنى من خلال المعنى المقصود من اللفظ ، بحسب الوضع الذي انطلق من خلال الاستعمال ، وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليهالسلام في قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢] « قال : من حرق أو غرق ، قلت : فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ فقال : ذلك تأويلها الأعظم » (١).
فقد لا يكون مراد الإمام عليهالسلام من ذلك أنّ المراد من الحياة هو الهدى ، وأنّ المراد من الموت هو الضلال ، أو أن يكون الهدى والضلال معنيين إضافيين للحياة والموت بالإضافة إلى معناهما المادي ، بل المراد أنّ التعمّق في قيمة الهدى ، الذي يتحرّك فيه الدعاة إلى الله ، لينقلوا النّاس إليه من مواقع الضلال ، لا يقّل أهمية عن قيمة الحياة التي ينقذها النّاس من الموت ، لأنّ نتائج الهدى في روحيّة الإنسان وفي مصيره الأبدي تمثّل نتائج الحياة الحقيقة ، فهي مسألة استيحائية لا مدلولية ، أو ربما يقرب من مفهوم الموافقة.
ونلتقي ـ في هذا الاتجاه ـ بالحديث المروي عن الإمام الباقر عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) [عبس : ٢٤] « قال : قلت : ما طعامه؟ قال : علمه الذي يأخذه ممّن يأخذه » (٢).
فإنّ من الواضح أنّ العلم لا يمكن أن يكون مدلولا لكلمة الطعام في هذه الآية ، حتى مع تصورنا. أنّ هناك طعاما للعقل بالإضافة إلى طعام الجسد ، لأنّ الآيات الأخرى تؤكّد أنّ المراد به الغذاء المادي الذي ينطلق من النبات ، وهي قوله تعالى : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَعِنَباً وَقَضْباً*
__________________
(١) م. س. م : ١ ، ج : ٢ ، ص : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، باب : ٨ ، روآية : ٥٧.
(٢) م. ن ، م : ١ ، ج : ٢ ، ص : ٣٩٨ ، باب : ١٤ ، روآية : ٣٨.