جيدا لنحدد موقفنا على أساس ذلك ، مما يجعلنا لا ندخل في طريق إلا بعد أن نكتشف بداياته ونهاياته ، ولا نعطي قيادنا لأحد ، ولا نمنحه أسرارنا ـ إذا كان لنا أسرار ـ إلا بعد. أن نحصل من سلوكه الداخلي على ما يبرز هذه الثقة العملية ، لتظلّ أوضاعنا منطلقة من قاعدة صلبة لا مجال فيها للانحراف والاستغلال والاهتزاز.
* * *
الله يستهزئ بهم
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فيخيل لهم أن حيلتهم قد انطلت على المؤمنين ، وأن شخصيتهم المزدوجة لم تنكشف لهم. (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) فلا يعاجلهم بالعذاب مما يشعرهم بالامتداد الآمن ، ويعيشون مطمئنين في ما يخططون ويدبرون ، ويبقون على هذا التردد والتخبط بين الشخصية الداخلية والشخصية الخارجية ، الأمر الذي يوحي بالضحك والاستهزاء. وأيّ موقف أدعى للهزء والسخرية من موقف المنافق الذي يتحرك في المجتمع كحركة الفأر المذعور الذي يخاف من أية حركة يسمعها ، أو أي شيء يشاهده ، حذرا من الخطر؟! والمنافق حاله حال هذا الفأر ، حيث يخاف من انكشاف حقيقة موقفه للآخرين ، فيقف موقف الخائف من نتائجه ومترتّباته.
وربما يطرح سؤال : إن الآية نسبت الاستهزاء إلى الله ، وهو من المعاني التي لا تتناسب مع عظمته تعالى ، لأن الاستهزاء يمثّل لونا من ألوان الخداع ، لأنك تظهر في حديثك بمظهر الجد ، ثم تعطيه بعض اللمحات والإشارات التي توحي بالسخرية؟