والجواب : إن التعبير يتجه اتجاه المحاكاة لتعبير الآخرين من دون أن يكون حاملا لمعناه ، كما في قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] ، فإن رد الاعتداء بمثله لا يعتبر عدوانا على المعتدي ، لأن مفهوم العدوان يعني الممارسة التي لا تملك فيها جانب الحق. ولكن المشاكلة في التعبير لإيحاء بأن هذا الفعل من نوع ذلك الفعل ، من حيث طبيعته العنيفة وإيلامه للنفس .. وربما كانت القضية في كلمة الاستهزاء كذلك ، باعتبار ما تمثله كلمة الاستهزاء من الاحتقار وعدم المبالاة ، فكأن الله يستهزئ بهم في ما يظهر لهم من الإمداد بطغيانهم ، كالذي يتكلم مع الشخص بأسلوب الاحترام وهو يقصد السخرية.
وقد يكون المراد من استهزاء الله بهم ، مجازاته لهم على استهزائهم ، على هدى قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، ويحتمل أن يكون معناها ، تخطئته إياهم ، وتجهيله لهم في إقامتهم على الكفر وإصرارهم على الضلال ، ويمكن أن يكون المراد منه استدراجهم وإهلاكهم من حيث لا يعلمون ، كما جاء في معنى الاستدراج أنهم كلما أحدثوا خطيئة جدد الله لهم نعمة ، وهكذا تتنوع الاحتمالات لتلتقي عند الواقع العملي الذي يجريه الله عليهم.
وقد يلفت نظرنا نسبة الإمداد بالطغيان لله عزوجل ، ولكن لهذا التعبير جانبين في مظهرين : سلبي وإيجابي ، فقد يتمثل الإمداد بالطغيان في تشجيع الشخص على الإمعان فيه بالأساليب التي ترغّبه فيه وتدفعه إليه بطريقة إيجابية ، وقد يتمثل في الامتناع عن ممارسة الضغوط القوية ضده من أجل منعه من العمل وشلّ قدرته على المضيّ فيه. ولعل هذا هو المقصود بالآية ، فقد كان الله قادرا على أن يعطل قدرتهم على الامتداد بالموت أو بغيره من وسائل التعطيل ، ولكنه لم يفعل ذلك ، بل تركهم وأنفسهم ليمارسوا عملية المواجهة