الخلق فقد ذكر كصفة من صفات الله التي توحي للإنسان بمسؤوليته أمام الله في عبادته له ، فلا يناسب المقام رجوع الغاية إليه. الثانية : أن الغاية لا بد من أن تكون بمثابة النتيجة الطبيعية للعمل ، ونحن نعرف أن مجرّد الخلق لا يتصل بالغاية ، بل الذي يحققها هو العبادة ذاتها التي تثير في النفس الشعور بالله ، والخضوع له ، مما يوحي له بمسؤوليته الممتدة أمام الله ، ويؤكد ذلك بممارسته العملية الدائمة المنفتحة على الحق.
* * *
خطاب القرآن بين (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ،
و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ) الذين يتحركون في الحياة على هدى إنسانيتهم في أصالتها الفطرية ، وشعورها المنفتح على الحقيقة ، وجهدها المتحرك في خط الفكر الأصيل ، بعيدا عن عناصر الخصوصيات القومية والجغرافية والعرقية ، سواء كنتم مؤمنين أم كافرين ، فهذا هو النداء الذي ينفذ إلى أعماقكم ويستثير فيها الحركة نحو عبادة الله.
وفي هذا السياق ، ثمة قول ينسب إلى ابن عباس والحسن ، أن ما في القرآن من (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فإنه نزل بمكة ، وما فيه من (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فإنه نزل في المدينة. وبعيدا عن ثبوت صدور هذا الرأي عنهما ، أو عدمه ، فإن مضمونه يحثّنا على الوقوف عند أساس هذه الفكرة ، التي في تقديرنا ، ترجع إلى كون سورة البقرة مدنية كلها إلا آية واحدة وهي قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) الآية ، فإنها نزلت في حجة الوداع بمنى.
وقد يكون الأساس في هذه الفكرة ، أن مكة كانت مرحلة الدعوة التي