يتوجه فيها الخطاب إلى الناس كلهم من أجل إدخالهم في الإيمان ، بينما يتوجه الخطاب في المدينة إلى المؤمنين من أجل تفصيل مسئولياتهم العملية باعتبارها مرحلة الحركة في الدولة. ولكن لنا ملاحظتان في هذه المسألة :
الأولى : أن من الممكن مخاطبة المؤمنين في صفتهم الإنسانية لاستثارة المضمون الإنساني الذي ينفتح بهم على القضايا الحيوية في عناصر الحذر والخوف والرحمة والمحبة ونحو ذلك التي تتمثل في خصائص الإنسان من حيث هو إنسان مما يتصل بساحة الدعوة وساحة الحركة معا.
الثانية : أن مرحلة المدينة لم تبتعد عن مرحلة الدعوة ، لأن الكثيرين من العرب وغيرهم كانوا لا يزالون مقيمين على الشرك أو الكفر ، مما يفرض التوجه إليهم بين وقت وآخر ، فإن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين معه ، لم يكونوا مستغرقين في أجواء المدينة ، بل كانوا يتطلعون إلى الناس خارجها ، ويتحركون من أجل توعيتهم وهدايتهم إلى الإسلام.
* * *
(اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)
(اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، فإن الخلق يمثل العبودية التكوينية من خلال الإرادة الإنسانية في تحقيق معنى المضمون الواقعي لعبودية الإنسان ، في وجوده لتكون مظهر الوعي المتحرك فيه ، لأن القضية لا تنطلق من حالة فكرية مجردة في عقله ، بل تتحرك من حالة وجودية في ذاته ، تماما كما يتحسس خصائصه الشعورية الذاتية.
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لأن العبادة تفتح وجدانكم على الله في الإحساس بعظمته وربوبيته ووحدانيته ، الأمر الذي يؤدي إلى اهتزاز العمق الإنساني في