منه ، وذلك على الرغم من الآيات والبيّنات التي قدمها إليهم كدليل على ذلك ، فلم يفكروا ، ولم يتحركوا في اتجاه إدارة الحوار معه بالأسلوب العقلي للتفكير ، ليصل الحوار إلى النتيجة الطبيعية التي تثبت أنه رسول الله ، فلم يبق أمامه إلا التحدي الصارخ ، الذي لا ينطلق من المواجهة الهادئة التي تخاطب الفكر ، بل يتحرك بهزة عنيفة تتحدى الفكر والشعور والكرامة ، في محاولة لتعرية حالة الشك ، وتجريدها من مبرراتها أمام أنفسهم وأمام الآخرين ، عند ما ينكشف لهم أنهم لا يملكون أية إمكانية لمواجهة التحدي بمثله ، بما يملكونه من أدوات المواجهة في مثل هذه الحالات التي يستثيرون فيها كل القوى الذاتية في أعلى درجاتها الثقافية والفنية.
* * *
القرآن يقطع ، في تحدّيه ، أعذار الكفّار
لقد مثّلت هذه الآية قمّة التحدي ، في طبيعة الموضوع الذي طرحته عليهم ، وفي الأسلوب المثير الذي حشدت فيه أقوى أنواع الإثارة النفسية التي تثير حسّ الكرامة فيهم ، كأعمق ما يكون ، بما لا يترك مجالا للاستمرار في أجواء اللامبالاة ، ولا سيما في تلك البيئة العربية التي تنفعل بأسباب الإثارة الذاتية على مستوى الفرد والقبيلة ، مما يجعل للأشعار والخطب المنقولة عنهم ، طابع الحماسة المشحونة بالفخر والتحدي والاعتزاز وإباء الضيم ، فقد أرادت منهم الآية أن يأتوا بسورة من مثل القرآن ، أيا كانت طبيعة تلك السورة ، في الموضوع وفي الكمية ، فتركت لهم الحرية في اختيار أقصر سورة في كلماتها ، وفي بساطة موضوعاتها ، وسهولة معانيها.
وقد كان التحدي في بداياته يطرح فكرة الإتيان بمثل القرآن ، من دون أن