وبرودته ، فلا يقترب من الصّحو الذي يتوهّج فيه النور ، كمثل الحلم الوردي السابح في بحيرات الصفاء ، في وداعة الروح ، حيث تنطلق الرؤية في وضوح تخجل أمامه كل نوازع الشكوك. وذلك هو السر الذي يطوف بالكلمات ، فتمتد في أعماق الروح حبا ، وروحانية ، وفكرا ، وحياة.
ولسنا ، هنا ، في معرض التحليل الفني للإعجاز البياني في القرآن ، فلذلك مجاله الواسع في علوم البلاغة والأدب ، ولكننا ، هنا ، من أجل أن نؤكّد حقيقة قرآنية ملموسة ، وهي أن أيّ تحليل أو تصوير للقرآن في معانيه وأسراره ، أو أي بحث للأسرار البلاغية الكامنة في كلماته وآياته ، لن تستطيع أن تجسد الحالة الروحية والشعورية والفكرية التي تغمر الإنسان وهو يقرأ القرآن أو يستمع إليه ، لأن القضية ليست قضية المقاييس الفنية للجمال الأدبي ، بل هي الروح الغامضة الرائعة المنسابة في الحروف والكلمات والمعاني والأسلوب ، فإنك تشعر بها ، وهي تتصاعد في مشاعرك وأفكارك وآفاقك في عالم من السموّ الإلهي الذي لا يدرك الإنسان مداه.
* * *
معاني القرآن أكبر من اللغة وقواميسها
ولعل القيمة ، كل القيمة ، أن تقرأ القرآن أو تستمع إليه ، لا لتتجمد أمام كتب اللغة في تحديد معاني الكلمات ، أو لتطوف في آفاق كتب الأدب والبلاغة ، لتجعل لكل جملة أجواءها الجمالية ومقاييسها الفنية ، بل لتشعر بأن الوحي القرآني الذي تعيشه في داخل الكلمات ، وفي ما بينها ، وأمامها وخلفها ، هو الشيء الذي يغمر كيانك ، ويفتح قلبك على عالم من المعاني والأضواء والألوان والمشاعر والظلال ، التي تجعلك تحس بالمعنى وهو يتسع ويتسع حتى تتلاشى الكلمة ، فلا تعود حروفا تقبع في كتب اللغة ، بل معاني