(تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) [الأعراف : ١١٧] ، فكانت صدمة عنيفة قوية هزت كيان السحرة حتى خرّوا ساجدين من دون انتظار لأي شيء ، مما خيل لفرعون ، أو هكذا حاول أن يوحي لقومه ، بأنها مؤامرة بين موسى عليهالسلام وبينهم باعتبار أنه كبيرهم الذي علمهم السحر. وهذا ما فعله كل الأنبياء الذين جاؤوا بالمعجزات لتحطيم الحواجز الضخمة التي أقامها خصومهم أمام الرسالات ، وانطلقوا ـ بعد ذلك ـ لمواجهة الصراع من موقع القوة التي هزمت أعداءها في الداخل ، وإن ظلوا متماسكين في ظاهر الأمور.
* * *
القرآن والجوانب الإعجازية غير البلاغية
هل هناك جوانب أخرى للإعجاز في التحدي القرآني؟
قد يجد الكثيرون من المفسرين أن الإعجاز القرآني لا يقتصر على الجانب البياني ؛ فيذكرون معه الإعجاز العملي ، لاشتمال القرآن على الإشارة إلى بعض القضايا العلمية التي لم يكتشفها الإنسان إلا بعد وقت طويل ، أو التي كانت معروفة لدى اليونانيين وغيرهم من دون أن تكون هناك أية وسيلة معقولة لوصولها إلى النبي محمد صلّ الله عليه وآله وسلّم ، أو إلى المجتمع الذي عاش فيه ، فقد كان المجتمع مجتمعا جاهليا يفقد الاهتمامات التي تدفعه إلى البحث والتعمق والسفر من أجل المعرفة الشاملة ، بل كانت ثقافته واهتماماته تدور حول ما يشارك فيه الناس من قضايا الشعر والنثر المحدودة الأفق ، الضيقة المعاني ، في امتداد الفكر وسعته ، ولم تكن للنبي محمد صلّ الله عليه وآله وسلّم ثقافة ذاتية يتميز بها عن ثقافة قومه ، لأنه لا يملك الوسائل الكفيلة بانفتاحه على هذه الثقافة من قراءة أو كتابة أو ممارسة دائبة لأصحاب الفكر والمعرفة في نواديهم ومجتمعاتهم.