نزول القرآن ، بل لا بد له من أن يتوجه إلى الناس المعاصرين للدعوة باعتبارهم القوة التي تحتاج إلى صدمة التحدي لتلقي سلاحها أمام الدعوة الجديدة. ويمكن لهذا التحدي أن يثبت وجوده ويستمر في كل المجالات ، وليس من الضروري أن يتّسع التحدي لكل الاختصاصات ، بل يكفي فيه أن يكون معجزا ولو في بعض المجالات التي تثبت ارتباط الرسول بالقوّة الإلهية ، كما نلاحظ ذلك في معاجز سائر الأنبياء.
وثانيا : إننا نلاحظ أن التحدي قد طرح فكرة الإتيان بسورة واحدة ، أو بعشر سور مثله ، ونحن نعلم أن في السور القرآنية ، ولا سيما السور الصغيرة منها ، ما لا يشتمل على أية قضية علمية أو تشريعية أو غيبية ، فكيف يمكن أن يكون التحدي منطلقا في هذه الاتجاهات. أمّا الآية التي تحدّت بالقرآن ، فلا يظهر منها أن المقصود فيها بالقرآن هو مجموع ما بين الدفتين ، بل الظاهر هو غير ذلك ، باعتبار أن هذه الآية هي جزء من القرآن ، كما أن نزولها لم يكن في آخر عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل ربما كان في وقت قريب من بداية الدعوة كما توحي به طبيعة التحدي في مراحله الأخيرة السابقة ، وقد نستطيع تأكيد ذلك بما قرره العلماء ، وهو أن مصطلح القرآن يطلق على الآية ، وعلى السورة ، وعلى المجموع ، فلعل المراد منه الطبيعة القرآنية بنوعها في خصائصها الذاتية من دون نظر إلى كمية الآيات قلة وكثرة.
ثم إن قضايا العلم والغيب لا يمكن أن تكون مجالا للتحدي من خلال شخصية النبي ، وطبيعة البيئة التي عاش فيها ، ونوعية المرحلة الفكرية التي وصل إليها عصره. أمّا من ناحية طبيعة الموضوع ، فلا مجال للتحدي ، لأن الوصول إلى هذه النتائج ـ ولا سيما العلمية ـ لم يعجز الإنسان في الماضي ولا في الحاضر ، وقد وصل الإنسان إلى بعض الأفكار في مجتمع غير مجتمع النبي ، سواء في عصره أو في العصور المتأخرة عنه ، وهذا ما لا تستجيب له آيات التحدي في القرآن ، لأن الظاهر منها انطلاق التحدي من الطبيعة القرآنية