الدنيا والآخرة ليستا عالمين متضادّين
أما الفكرة الثانية ، فقد يكون الأساس فيها ، هو اعتبار عالم الآخرة عالم الروح في مقابل عالم الدنيا الذي هو عالم المادة ، ولكننا لا نجد لذلك أيّ أساس فكري في المفاهيم الإسلامية ، لأن التجريد الروحي الذي يمثل انفصالا كاملا عن المادة بأشكاله المتنوعة ، والذي يمثل الفكرة التي تعتبر الجسد سجنا للروح ، يرجع إلى الفلسفات اليونانية والهندية ، ولا يرتبط بالفكرة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة. أما ما نشاهده من تقرير هذه الفكرة في كتب بعض الفلاسفة المسلمين ، فليس ناشئا في أغلب الظن من المصادر الإسلامية الأصلية ، بل هو مرتكز على تأملات ذاتية مستمدة من ثقافات فلسفية سابقة.
ونحن لا نمانع في وجود ظلال لهذا التفكير في بعض اللمحات الخاطفة من مصادر الفكر الإسلامي مما يمكن أن يتعلق به الإنسان في تقرير الفكرة ، ولو من بعيد ، لكنا نريد تأكيد قضية حيوية جدا في دراستنا للفكر الإسلامي ، في مفاهيمه ، وشريعته ، وهي أن الظواهر القرآنية هي الحجة التي ندين لله بما تكشفه لنا من حقائق الإسلام ومفاهيمه ، إلا أن يقوم عندنا دليل آخر على خلاف ذلك من عقل أو نقل. وعلى ضوء هذا ، نرفض كلّ الأفكار الباطنية التي حاولت تفسير الآيات القرآنية تفسيرا رمزيا ، لا يستند إلى أسس عقلية أو شرعية ، بل يرتكز على تأملات فلسفية ، أو شطحات صوفية ..
* * *
للذين آمنوا جنات تجري من تحتها الأنهار
وبشر الله في هذه الآيات (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) تتنوع ، وتمتد أشجارها وأثمارها ، وتتحرك كل جمالاتها ، بما ينعش الروح ،