وربما كان في تأكيد جانب الخسارة الأسلوب الإيحائي ، بأن على الإنسان أن يحسب حساب الربح والخسارة ، من خلال النتائج الواقعية النهائية للأعمال ، لا من خلال النتائج الحسية الأولية لها ، ليدرس القضايا التي يتحرك فيها من موقع الربط بين البدايات والنهايات ، والانفتاح على العمق ، لا على السطح. هذا مع ملاحظة أن التعبير بالخسارة ، ينطلق من خسارة الوجود في خسارة الفرص السعيدة التي كان من الممكن أن يبلغها الإنسان إذا أخذ بأسباب الخير في الإيمان والعمل الصالح ، فلا يرد السؤال : كيف يتحدث الله عن خسارة ما لا يملكه الإنسان ، باعتبار أن مفهومها يعني فقدان ما لديه؟ لأن الجواب عن ذلك بأن المقصود هو أن ما يملكه الإنسان قد يكون على مستوى الفعلية ، وقد يكون على مستوى امتلاك الإنسان للفرصة التي يحصل عليها.
* * *
البداية من الله والنهاية إليه
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) أيها الناس ، وأنتم تملكون العقل الذي يتحرك من خلال مفردات الحسّ الذي يتزوّد بعناصر الفكر ، وطاقة الوعي المتحرك التي توجهه نحو التأمّل والدراسة والمقارنة بين الأشياء ، والاستنتاج الحيّ المنفتح على حقائق العقيدة والحياة. وللعقل أكثر من طريق يؤدي بكم إلى معرفة الله من دون حاجة إلى الاستغراق في التجريد الفكري والعمق الفلسفي ، لأن الواقع الحيّ الذي تعيشونه في وجودكم ، وتتحسّسونه في مشاعركم ، هو الذي يمنحكم الإيمان بالله من موقع الوجدان المنفتح على الفطرة ، والفكر المتحرك في نطاق البديهة. (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) قبل وجودكم ، حيث كان العدم هو الأفق الذي يحتويكم في دائرته ، فليس هناك أي شيء يربطكم بالوجود في