ما معنى هذا الحوار الذي أجراه
الله سبحانه وتعالى مع الملائكة؟
هل هو قصة حقيقة جرت بين الله وبين الملائكة ، أم هو أسلوب قرآني لتقريب الفكرة بطريقة الحوار لأنه أقرب إلى فهم الفكرة من الأسلوب التقريري ، إذ إن أسلوب الحوار متحرك يوحي بالحركة في الفكرة عند ما تتوزع تفاصيلها على عدة أشخاص بين السؤال والجواب ، بينما نشعر في الأسلوب التقريري ، بأن الفكرة تسير بشكل رتيب هادئ لا يثير في النفس أي شعور غير عادي إلا من خلال طبيعة الفكرة؟
وليس هذا الأسلوب بدعا في الأساليب القرآنية ، فنحن نجد في كثير من آيات القرآن حوارا يدور بين الله وبين ما لا يعقل ولا ينطق من مخلوقاته ، كما في ما حكاه الله سبحانه في خلق السماوات والأرض إذ قال لهما : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ، لتقريب فكرة خضوعهما التكويني لله بما أودعه فيهما من قوانين طبيعية تسير بهما وفق إرادته وحكمته.
ولا بد لنا في الجواب عن هذا التساؤل من الحديث عن موقفنا حيال الظواهر القرآنية ، فهل لنا أن نتصرف فيها فنحملها على غير ما يفهم من مدلولها الحرفي أم لا؟
إن الطريقة العقلائية في المفاهيم تقضي بأن الظواهر الكلامية حجة ما لم يكن هناك دليل عقلي يمنعنا من الأخذ بها ، وقد جرى القرآن على هذه الطريقة في أسلوبه ، فلا بد لنا من السير عليها في ما نأخذ منه أو ندع ، فإذا أخبرنا بوجود حوار ضمن قصة ولم يكن هناك مانع عقلي من الإقرار به ، فيلزمنا الإقرار به واعتباره حقيقة واقعة. أما إذا كان هناك مانع عقلي فلا بد من حمله على ما ينسجم معه على أساس قواعد المجاز والكناية والاستعارة ، كما في