شيء آخر ، فإن الاعتبار يكون به لا بها.
* * *
ما هو معنى الخلافة التي جعلها الله للإنسان؟
في ما تدل عليه الآية ، ربما يذكر هنا معنيان :
أولهما : الخلافة عن الموجودات السابقة على خلق الإنسان ، انطلاقا من بعض الأحاديث المروية التي تذكر أن هناك فصائل حية عاشت في الأرض قبل الإنسان ، وعاثت فيها فسادا ، وسفكت الدماء ، ثم انقرضت بعد ذلك ، وجاء الإنسان ليخلفها على هذه الأرض. وهناك أحاديث تعطي لتلك الموجودات الصفة الإنسانية أو الآدمية باعتبار وجود آلاف من الآدميين قبل آدم أبي البشر.
ثانيهما : الخلافة عن الله وقد وردت عدة آيات بهذا المضمون كما في قوله تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) [ص : ٢٦]. وقوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس : ١٤]. وعلى هذا يكون معنى الخلافة عن الله هو إدارة الأرض وبناؤها وإعمارها على وفق إرادة الله.
ولعل الرأي الثاني أوفق بظاهر الآيات ، لأن سياقها يوحي بأن الملائكة لم يطرحوا سؤالهم انطلاقا من إفساد الإنسان في الأرض وسفكه الدماء فقط ، بل باعتبار أنفسهم مؤهلين لذلك ، وكان وحي الله إليهم في إطار بيان الخصائص التي يملكها هذا المخلوق ولا يملكونها هم ، مما يؤهله للقيام بالمهمة الموكولة للخليفة ، فكأن القضية هي قضية الدور الذي يراد للخليفة أن يقوم به ، لا مجرد خلق موجود جديد يخلف الكائن القديم. ولهذا كان الحوار منطلقا من موقع الخصائص الموضوعية للخلافة الموجودة في الإنسان