وأما التعبير عن الأسماء بالضمير المستعمل لما يعقل ، فقد اعترف صاحب التفسير المذكور بأن العرب قد تستعمل ضمير العاقل ، في العاقل وغيره تغليبا ، وبذلك جاء القرآن الكريم : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥]. ولكنه قال إن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وصفنا ، ولكننا لا نعتبر الغلبة في مثل هذا ـ لو ثبتت ـ لغة مرجوحة أو غير فصيحة ، لأن القرآن نزل بذلك في الآية المتقدمة ، مما يوحي بأنها لغة مألوفة معتبرة ، ولعل ذهاب ابن عباس ـ في ما روي عنه ـ يقرّب ما ذكرناه ، لأنه أعرف بكلام العرب من المتأخرين الذين عرفوه بالنقل ، بينما كانت معرفته له بالسماع والممارسة. (١)
* * *
آدم يعرض الأسماء على الملائكة
(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) بالطريقة التي يتعرفون فيها أشكالها ، وأوضاعها ، وأنواعها ، ومواقعها ، وغير ذلك مما لا سبيل لنا إلى معرفة خصوصياته ، لأن لله حكمته وقدرته في أسلوب هذا العرض ، الذي يفتح للملائكة أبواب المعرفة ، بالمستوى الذي يريد لهم أن يصلوا إليه بالمشاهدة أو بالإلهام. (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣١) في المدى الواسع الذي تملكونه من العلم في ما يؤهلكم للخلافة في الأرض ، وللاطلاع على بواطن هذه الأشياء وحقائقها وخصوصياتها.
وهذا أسلوب دقيق يوحي بالعجز الملائكي عن هذا المستوى المعرفي ،
__________________
(١) م. س ، ج : ١ ، ص : ٣١١.