لأن الله أعطى لكل مخلوق من مخلوقاته دورا معينا محدودا يتحرك في دائرته ولا يتجاوزه ، لتكون الحياة في تنوعاتها وأوضاعها ومواقعها ، عملية تكامل بين المخلوقات في الأدوار الموضوعة لها والخطط المرسومة لحركتها ، فلا يملك مخلوق أن يقوم بدور مخلوق آخر ، فللملائكة دورهم في الوظائف التي وظّفوا لها في إدارة النظام الكوني ، وللإنسان دوره في المسؤوليات التي حمّله إياها في شؤون نفسه ، وفي شؤون الأرض التي يتحرك فيها ، وللظواهر الكونية المتناثرة في الكون الواسع أدوارها الخاصة هنا وهناك ، فالنظام الكوني نتاج ذلك كله.
والظاهر أن الأسلوب القرآني في خطاب الله للملائكة جار على أساس تأكيد جهلهم بهذه الأسماء في مسمياتها ، تماما كما تقول : أخبر بما في يدي إن كنت صادقا ، أي : إن كنت تعلم فأخبر به ، لأنه لا يمكنه أن يصدق في مثل ذلك ، كما جاء في مجمع البيان (١).
* * *
الملائكة يشهدون بعجزهم
وليس مجرى الأسلوب على تكليفهم بذلك ، لأن الجوّ يتحرك في مقام إظهار عجزهم ، لا في إظهار كذبهم ، لأنهم لم يكونوا في مجال دعوى العلم بذلك ، (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ، فنحن لم ندّع العلم في ما يتجاوز قدرتنا على المعرفة ، لأنك أنت الذي وهبتنا علم ما نعلم بالوسائل التي أودعتها فينا ، ومكنتنا منها ، فلا مصدر للعلم إلّا منك ، ولم يكن ما كان منّا اعتراضا على حكمتك أو تدبيرك ، أو ادعاء لما لا نملك علمه من شؤون
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٩٧.