وفي ضوء ذلك ، لا نجد أيّة ضرورة لهذا التكلف الذي يريد أن يربط هذا التمرد بالمعنى المصطلح للكفر ، وإلا أمكن أن نرجع الكثير من أعمال العباد وخطاياهم إلى الكفر.
وقد نجد في القرآن الكريم أنه قد يعيش في بعض حالاته النفسية حالة الخوف من الله سبحانه كما في قوله تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) [الحشر : ١٦].
ولكن ذلك لم يمنع الحديث عنه بعنوان الكفر في الآية التالية : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) [الحشر : ١٧] وربما كان ذلك من خلال العناصر الذاتية الخفية الكامنة في نفسه التي تأبى على الله أن يأمر بما أمر به بما يلتقي بالكفر العقيدي في لوازمه الفكرية.
وقد لا يكون لهذا النوع من الحديث أيّ أثر عملي في مجال العقيدة والعمل ، فإن هذا المخلوق هو سرّ الكفر والفسق في الحياة في ما يزينه لبني آدم من أساليب الضلال والانحراف عن الله وشريعته ، ولكننا نريد أن نخلص منه إلى فكرة تفسيرية وهي ملاحظة مصطلح الكفر في القرآن من خلال المعنى الحقيقي الذي يتحرك في إطار العقيدة ، ومن خلال المعنى المجازي الذي يتحرك في نطاق العمل. وربما كانت هذه الآية ـ في ما نظن ـ من مصاديق المعنى الثاني ، والله العالم.
* * *
خرافة مأساة إبليس
وقد حاول بعض المتفلسفين تصوير إبليس في قضية إيمانه بصورة المأساة ، فصوروه بصورة الموحد الخالص في توحيده ، المؤمن العميق في إيمانه ، لأنه رفض السجود لآدم انطلاقا من رغبته في توحيده العبادة لله ، فلا