توبة آدم عليهالسلام بين مرحلتين
(فَتابَ عَلَيْهِ) لأنه عرف منه صدق الندم ، وإخلاص النية ، ووعي الموقف. فآدم عليهالسلام لم يخالف أمر ربه من موقع التمرد ، بل من حالة ضعف في وعي التجربة الجديدة التي لم يسبق له أن مرّ بها ، أو عرف طبيعتها وخلفياتها ، حيث كان تفكيره يتحرك في اتجاه صدق محدّثه الذي أقسم له أنه من الناصحين ، فانفتح له قلبه الطاهر الطيب ، وضعفت إرادته أمامه ، وخيّل إليه أن المسألة ليست مسألة عصيان يستتبع غضب الله ، بل هي مسألة نصيحة عادية يمكن أن يتجاوز الله أمرها في حالة عدم الاستجابة لها ، ولا سيما أن مسألة الالتزامات القانونية الشرعية لم تكن واردة في حسابه ، لأنها ليست مطروحة في المرحلة التي عاشها ، مما جعله لا يعيش الذهنية القانونية في عملية الالتزام بالتعاليم ، فكان ينسى العهد بسرعة ، ويفقد العزم على الاستجابة له من موقع الضعف الإنساني لديه بالإضافة إلى ضعف التجربة في حياته.
وهكذا أدخله الله في التجربة التي سقط فيها ، ليضعه بعد ذلك في خط التجربة الأصعب في قضايا المسؤولية في الحياة في خط الخلافة ، بعد أن اهتزت مشاعره بفعل الصدمة الأولى ، فاجتباه إليه واختاره ليكون أول نبي في الأرض ، بل ربما كانت المسألة تتجه في طبيعتها هذا الاتجاه التربوي الذي يتعرض فيه الإنسان الجديد للخطأ في تجربته الأولى ليعرف كيف يقف مع الصواب. وهكذا كانت التوبة نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى.
* * *