يتعلّم من خلالها أن الحياة لا تتمثل في وجه واحد ، فهناك عدة وجوه وألوان. ولم تكن لهذين المخلوقين الجديدين أيّة تجربة سابقة مع الغش والكذب والخداع واللف والدوران ؛ كان الصدق ، وكانت البراءة في مواجهة الأشياء ، وكانت العفوية في تقبل الكلمات ، هي الطابع للشخصية البريئة النقية من كل لوث أو شائبة ، أو خاطر سوء ، والتي لم تصهرها التجارب بعد ، ولم تتعرف إلى ما معنى الخير ومعنى الشر ، فنظرتها لكل ما حولها نظرة تفاؤلية جيدة ، وقد كان هذا كله متمثلا في كيانهما.
وبدأت العملية من موقع حقده وحسده وعداوته ، فمشى إليهما في صورة الملاك الناصح ليقول لهما إن هذا النهي عن الأكل من الشجرة لا يلزمهما ، بل سيحصلان من خلال تجاوزه على لذة الخلود والانطلاق في أجواء الملائكة ، كما جاء في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠] ، وبدأت الكلمات الجديدة المغلّفة بغلاف من البراءة والنصح تأخذ مفعولها في نفسيهما كما جاء في قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف : ٢١] ، فهما لم يتصورا أن هناك غشّا في النوايا ، وخداعا في الأساليب ، بل كل ما عندهما الصفاء والنقاء والنظر إلى الحياة من وجه واحد ، هو الحقيقة بعينها ، فاستسلما للكلمات من دون أن يشعرا بأن ذلك يمثل تمردا على الله وعصيانا لإرادته ، فقد كان لأساليب إبليس ، لعنه الله ، فعل السحر في نفسيهما ، تماما كما هي الأحلام عند ما تغرق الإنسان في أجواء روحية لذيذة فتبعده عن واقعه وعن حياته.
وسقطا في أول تجربة ، ونجح إبليس في التحدي الأول للإنسان ، فأهبطه من عليائه وأسقطه من مكانته ، لئلا يبقى الساقط الوحيد في عملية التمرد على الله. فها هو يشعر بالزهو والرضى ، لأنه استطاع أن يهبط بقيمة هذا المخلوق الذي كرمه الله عليه ، إلى درك الخطيئة ، ليصبح منبوذا من الله. وجاء الأمر من الله إليهم ؛ آدم وحواء وإبليس ، أن يهبطوا جميعا ، وأن يعيشوا في