ضرورة التجربة للإعداد
ويرى الاتجاه الرابع في قصة آدم وضعا خاصا لا يرتبط بالأجواء التي تثيرها قضية العصمة كعنصر ذاتي من عناصر النبوّة الهادية ، وذلك أنّ آدم يمثل بداية الإنسان في وجوده ، فهو الحلقة الأولى من هذه السلسلة الإنسانية الممتدة في هذا الكون ، وهو خليفة الله في الأرض ـ بصفته الإنسانية ـ ، فكان لا بد له من أن يعيش التجربة الحية في مواجهة الإغراء ليخرج من براءته الذهنية ، التي قد توحي له بأن الكون يعيش روح البراءة والصفاء في نصائحه وعلاقاته ، لأن مثل هذه البراءة قد تؤدي به إلى الوقوع في قبضة الغش والعداوة ، لأنه لا يفهم معنى الغش والعداوة في حركة الحياة. ولذا ، فقد كانت هذه القضية أسلوبا تجريبيا تدريبيا ، حيث يضعه في مواجهة الواقع ، ليتعرف ، من خلال تجربته ، على طبيعة الضعف في تكوينه ، ونوعية الأساليب الملتوية التي يبتدعها الشيطان في الإغواء والإضلال ، ليأخذ من ذلك فكرة عملية عن الأسلوب الأفضل للمواجهة الدائمة مع الشيطان ، ليكون استعداده الجديد ، من خلال التجربة الحية ، لا من خلال الفكرة المجردة ، وليفهم معنى العداوة في النتائج السيئة التي انتهى إليها في إطاعته للشيطان.
وقد يثور أمامنا هنا سؤال : إننا نعرف في قصة خلق آدم ، في حوار الله مع الملائكة ، أن الله قد خلقه للأرض ولم يخلقه ابتداء ليعيش في الجنة ، فكيف نفسر هذا الأمر الذي يوحي بأن الجنة كانت المكان الطبيعي له لولا العصيان؟
والجواب عن ذلك ، هو أن هذا الأمر الإلهي كان جزءا من عملية التدريب الإلهي المرتكزة على فكرة الربط بين الجنة والطاعة في وعي الإنسان ،