مع علم الله بأنه لن ينجح في الامتحان ، فكان تقديره في خلقه للأرض لاشتراط بقاء آدم عليهالسلام في الجنة بشرط غير متحقق ، فلا منافاة بين الأمرين.
وقد نستوضح الصورة في إطار الفكرة الأصولية التي يبحثها علماء الأصول في موضوع صيغة الأمر ، وهي أن دوافع الأمر قد تختلف ، فقد يكون الدافع له هو إرادة حصول الفعل من المأمور ، وقد يكون الدافع هو امتحان إخلاص المأمور وطاعته ، أو إظهار قوة إيمانه وإخلاصه ، من دون أن يكون هناك أي غرض يتعلق بالفعل ، كما نلاحظه في أمر الله لإبراهيم بذبح ولده ، لا لأن الله يريد ذلك ، ولذلك رفعه قبل حصوله ، بل ليظهر عظمة التسليم المطلق لله في سلوك الأب والابن ، ليكونا مثلا وقدوة للناس ، وقد يكون الداعي أمرا آخر ، وهو تدريب الإنسان على مواجهة حالات السقوط بتعريضه لتلك التجربة لينتبه إلى أمثالها في المستقبل كما في حالة آدمعليهالسلام.
ونحن لا نجد أيّ مانع عقلي في ذلك ، بل هو واقع كثيرا في أفعال العقلاء وأساليبهم في الأوامر والنواهي.
ولا مجال للاعتراض هنا بأن الله كلف آدم بما يعلم أنه لا يمتثله من خلال الظروف الموضوعية المحيطة به ؛ أوّلا ، لأن العلم بعدم الامتثال لا يمنع من التكليف أساسا باعتبار أن العلم معلول للمعلوم وليس الأمر بالعكس. وثانيا ، لأن التكليف لم يستهدف حصول الفعل بل استهدف وعي التجربة المستقبلة من خلال التجربة الحاضرة.
وعلى ضوء هذا ، نجد أن الأمر هنا يشبه الأمر في قصة إبراهيم عليهالسلام ، ولكن بطريقة متعاكسة في الموضعين.
* * *