مدلول التوبة في حياة الإنسان
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) لعل في هذه الآية بعض الدلالة على أن الموقف كله في قضية آدم كان تدريبيا من أجل أن يعي الإنسان في مستقبل حياته كيف تتحرك الخطيئة في نفسه وكيف تدفعه بعيدا عن الله. فقد عالجت هذه الآية قضية التوبة ، ووضعتها في نطاق الأشياء المتلقّاة من الله ، مما يوحي بأن آدم لا يحمل أيّة فكرة فطرية عنها ، فكان الإيحاء والإلهام من الله من أجل أن يتعلم كيف يتراجع عن الخطأ ، فلا يستمر عليه.
أمّا طبيعة الكلمات ، فقد اختلف المفسرون فيها ، ولكن الأقرب إلى الذهن هو ما حدثنا عنه القرآن في سورة الأعراف في قوله تعالى : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الأعراف : ٢٣].
إنه الشعور العميق بطبيعة الخطأ ، وعلاقته بنفس الخاطئ وحياته ، وانعكاساته على قضية مصيره ، فليست القضية متصلة بالله باعتبارها شيئا يسيء إليه أو يمس سلطانه ، ولكنها متصلة بالموقف الإنساني من الله بقدر علاقة الإنسان بموقفه من مصلحة نفسه ، مما يجعل من بقاء الذنب في موقعه ، خسارة كبيرة للإنسان في الدنيا والآخرة ، ويكون طلب المغفرة والرحمة منطلقا من الرفض الكبير للمصير الخاسر. فلا خسارة أعظم من خسارة الإنسان في علاقة القرب بالله ، لأنه يخسر بذلك امتداده الإنساني في الطريق المستقيم.
* * *