وهذا هو التصور الأوّل في السورة في ما يتصوره المؤمن من تصوراته العقيديّة لله ، لتلتقي صفة الله المحمود ، مع مشاعر المؤمن الحامد.
(رَبِّ الْعالَمِينَ) « الربّ : مأخوذ من ربب : وهو المالك المصلح والمربي ، ومنه : الربيبة ، وهو لا يطلق على غيره تعالى إلّا مضافاً إلى شيء ، فيقال : رب السفينة ، رب الدار ». وكلمة العالم : « جمع لا مفرد له كرهط وقوم ، وهو قد يطلق على مجموعة من الخلق متماثلة ، كما يقال ، عالم الجماد ، عالم النبات ، عالم الحيوان. وقد يطلق على مجموعة يؤلّف بين أجزائها اجتماعها في زمان أو مكان ، فيقال : عالم الصبا ، عالم الذّر ، عالم الدنيا ، عالم الآخرة. وقد يطلق ويراد به الخلق كله على اختلاف حقائق وحداته ، ويجمع بالواو والنون ، فيقال : عالمون ، ويجمع على فواعل ، فيقال : عوالم ، ولم يوجد في لغة العرب ما هو على زنة فاعل ، ويجمع بالواو والنون ، غير هذه الكلمة » (١).
* * *
الله هو المربي
لذلك يمتزج معنى الألوهية ، في ما تعنيه الكلمة ، بمعنى التربية. فهو الإله الذي يخلق الخلق ، ولكن لا ليتركهم في الفراغ ، بل ليرعاهم فيربّي لهم إحساسهم من خلال الأجهزة التي أودعها في داخل كيانهم ، ومن خلال الأشياء التي خلقها لهم من الطعام والشراب وغير ذلك ، مما يتوقف عليه نموّ أجسادهم ، ومما يربّي لهم عقولهم من خلال العناصر الدقيقة الخفية التي أقام
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ، ص : ٤٥٣.