(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وقد تقدم الحديث عن ملامح هاتين الكلمتين في معناهما ، أما موقعهما في هذه السورة ، فلعله كان بلحاظ الإيحاء بأن الربوبية الشاملة تنفتح على الخلق ، ولا سيما الإنسان ، من خلال الرحمة الواسعة التي تتسع لتشمل الخلائق كلهم ، ليقفوا أمامه في أمل كبير ورجاء عظيم ، على هذا الصعيد ، ليتوازن الشعور لديهم بين الخوف ، من خلال وحي الربوبية الشاملة ، وبين الرجاء ، من خلال وحي الرحمة الواسعة.
* * *
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، يوم الدين : أي : يوم الجزاء أو الحساب. هذه الفقرة تدل على إحاطة الله تعالى وسيطرته على هذا اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ، لينطلق التصور في جولة واسعة في ساحة المسؤولية التي يتحملها الإنسان في حياته بين يدي الله ، في ما كلّفه الله به من إطاعة أوامره ونواهيه ، لأن ذلك هو طبيعة وجود يوم الجزاء ، لأن الجزاء لا يكون إلا على الطاعة أو المعصية ، كما أن يوم الحساب يفرض وجود يوم للعمل. وهكذا ينفتح الإنسان على ربه المالك ليوم الجزاء ليخاف عقابه من موقع عدله ، أو ليرجو ثوابه به موقع رحمته ، ليقترب ، منه في ساحات الخضوع والخشوع من خلال معرفته بالمصير الأخروي الذي يحمل إليه السعادة الدائمة أو الشقاء الخالد.
وهكذا تتحرك هذه الآيات الثلاث لتدفع بالإنسان إلى حمد الله تعالى في ما هو التصوّر للربوبية المهيمنة على العالمين ، وللرحمة الشاملة الواسعة على كل آفاق حياتهم ، وللمالكية المطلقة ليوم الجزاء الذي يقوم الناس فيه لرب