(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
وقد نحتاج إلى الإطلالة على خصوصية التعبير عن الالتزام بعبادة الله ، والاستعانة به ، بطريقة تقديم المفعول به على الفعل والفاعل الذي ينفصل فيه الضمير فيتحول من ضمير متصل في ما يتمثل في كلمة « نعبدك » « ونستعينك » ، إلى ضمير منفصل يتقدم على الفعل وذلك في جملة : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). وهذه الخصوصية هي الحصر الذي يدلّ عليه تقديم المفعول على الفعل ليكون المعنى هو حصر العبادة بالله ، والاستعانة به ، وذلك من أجل التعبير عن التوحيد العملي الذي هو التجسيد الواقعي للتوحيد الفكري العقيدي ، فقد لا يكفي في الإسلام ، كما في كل الرسالات التوحيدية ، أن يعيش الإنسان العقيدة في دائرتها التصورية ، بل لا بد له من أن يعيشها في دائرتها العملية ، فيما هي حركة العبادة في الذات ، وفيما هي مسألة الارتباط بالله ، المشدود إليه في أوضاع الحياة. بل ربما نجد أن هناك نوعاً من الوحدة بين الجانب النظري والجانب العملي في دعوة الرسالات ، بحيث يكون التوحيد في العبادة هو الواجهة للدعوة في ما تختزنه من التوحيد في العقيدة.
وهذا ما حدّثنا عنه في دعوة نوح وهود وصالح عليهمالسلام التي اختصرتها الفقرة التالية في قوله تعالى : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : ٥٩].
ولعل هذا هو التعبير الحركي الذي انطلقت فيه سورة الفاتحة من أجل تأكيد الدعوة إلى التوحيد في أسلوب الإقرار الذاتي الذي يندفع فيه الإنسان المؤمن ، كحالة شعورية ذاتية ، بعيداً عن الجانب التقريري في هذه المسألة العقيدية المهمّة ، مما يترك تأثيرا إيجابيا على حركة العقيدة أكثر مما يتركه من التأثير في الأسلوب الخطابي أو التقريري ، في ما يمثّله من التعبير عن الصورة