مقياس التوحيد
والسؤال المطروح في مسألة التوحيد في العبادة هو : كيف يتمثل في الممارسات؟
فهل يتمثل ذلك في الابتعاد ، في صورة العبادة الشكلية ، عن كل الأشكال التي جرت عليها التشريعات العبادية في طريقة عبادة الله ، فيكون الركوع أو السجود أو الانحناء لغير الله لونا من ألوان الشرك ، حتى إذا كان ذلك بعنوان الاحترام أو التحية أو ما إلى ذلك ، مما لا يبتعد فيه الإنسان عن الإحساس بإنسانية الذات التي يقدم إليها الاحترام أو تلقى إليها التحية؟
أو هو يتمثل في الابتعاد عن الاستغراق في الشخص ، بحيث يوجه الخضوع إليه ، في أشكاله المتنوعة ، من خلال الأسرار الإلهية المخزونة في ذاته ، بحيث تجعله واسطة بين الناس وبين الله ، لتكون عبادتهم له من أجل الحصول على وساطته في القرب من الله ، كما ورد في حديث الله عن المشركين الذين يعبدون الأصنام ليبرّروا ذلك بقولهم الذي ذكره الله تعالى : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣]؟
أو يتمثل ذلك في الامتناع عن اعتقاد الألوهية في كل ما عدا الله ومن عداه ، لتكون القضية قضية الابتعاد عن أيّة ممارسة عبادية توحي بالمعنى الإلهي في المعبود ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، وبذلك يلتقي التوحيد في العقيدة بالتوحيد في العبادة ، حيث يتلازمان في المضمون وفي الواقع؟ ولعل هذا هو الأساس في أسلوب الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد في العقيدة بطريقة الدعوة إلى التوحيد في العبادة ، كما في قوله تعالى : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) [المؤمنون : ٣٢].