معرفتها بدقّة ـ من خلال الحوار ـ لتصفو النظرة ، وتستقيم الفكرة ، وتتأكد الثقة.
وخلاصة الفكرة في مسألة العبادة ، أنها تمثل غاية الخضوع للمعبود من حيث الشكل ، في ما يعبر عنه من وسائل التعبير القولية والفعلية بالمستوى الذي يوحي بالانسحاق أمامه ، ومن حيث المضمون في ما ينطلق به العبد من الخضوع الداخلي للمعبود بحيث يستغرق في ذاته ، في ما هي عبادة الذات ، أو في موقعه ، في ما هي عبادة الموقع ـ الرمز.
أمّا الشرك في عبادة الله ، فإنه ينطلق من الاستغراق في عبادة غيره من موقع التألّه ، أو من موقع الإيحاء بالأسرار الإلهية الكامنة في ذاته ، كما في قوله تعالى في الحديث عن منطق العابدين للأصنام : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].
فقد كان الوثنيون يتوجهون إليهم بالعبادة ، فيطلبون منهم حوائجهم ، ويبتهلون إليهم على أساس أنهم يتقربون إليهم بذلك ليقربوهم إلى الله ، من خلال الحظوة الذاتية لديهم عند الله ، كما توهم الجاهليون.
* * *
بين عبادة الأصنام واحترام الأولياء
وهذا هو الفرق بين ما يفعله الوثنيون وما يفعله المسلمون الذين يؤكدون شرعية الشفاعة والتوسل بالأنبياء والأولياء ، باعتبار أن المسلمين يفعلون ذلك من موقع التوجه إلى الله بأن يجعلهم الشفعاء لهم ، وأن يقضي حاجاتهم بحق هؤلاء في ما جعله لهم من حق ، مع الوعي الدقيق للمسألة الفكرية في ذلك كله ، وهي الاعتراف بأنهم عباد الله المكرمون المطيعون له الخاضعون لألوهيته